باب ذكر الفتن ودلائلها
حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال « من بايع إماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه ما استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر ». قلت أنت سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال سمعته أذناى ووعاه قلبى. قلت هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نفعل ونفعل. قال أطعه فى طاعة الله واعصه فى معصية الله.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على لزوم جماعة المسلمين، وينهى عن الخروج على ولي الأمر الذي ثبتت له البيعة؛ وقد كان للأمة السيادة والظهور في الأرض حينما كانت متمسكة بدينها، مجتمعة عليه، معظمة لولاة أمورها، منقادة لهم بالمعروف
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بايع إماما، فأعطاه صفقة يده"، أي: العهد على بيعته ومتابعته، وسميت بالصفقة لأنها تعقد باليد، "وثمرة قلبه"، أي: صادقا ومخلصا لها، "فليطعه ما استطاع"، أي: لزم عليه طاعته فيما قدر عليه. "فإن جاء آخر ينازعه"، أي: يخرج عليه ويريد أن يجعل لنفسه الإمامة، "فاضربوا رقبة الآخر"، أي: يقتل من خرج على من عقدت له البيعة
قال عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة: قلت- أي لابن عمرو-: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ابن عمرو: "سمعته أذناي، ووعاه قلبي"، أي: مؤكدا له سماعه المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: "هذا ابن عمك معاوية، يأمرنا أن نفعل ونفعل"، أي: يشير لابن عمرو منازعة معاوية عليا رضي الله عنهما، قال ابن عمرو: "أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله"؛ وذلك أن هذا القائل لما سمع كلام عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الأول، وأن الثاني يقتل؛ فاعتقد هذا القائل أن هذا الوصف ينطبق على معاوية رضي الله عنه؛ فلخص ابن عمرو له أمر معاوية، فأمره ابن عمرو أن يتبعه في المعروف ويعرض عنه في الباطل، وفي هذا إشارة إلى طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد، بشرط أن تكون في المعروف.