باب فضل المنيحة
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر ورضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"أربعون خصلة، أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها؛ إلا أدخله الله بها الجنة".
قال حسان (33): فعددنا ما دون منيحة العنز، من رد السلام، وتشميت العاطس، وإماطة الأذى عن الطريق، ونحوه، فما استطعنا أن نبلغ خمس عشرة خصلة
مِن عَظيمِ رَحمةِ اللهِ تَعالى بنا أنْ عظَّمَ الأعمالَ القَليلةَ وأثابَ عليها بالخيرِ الجزيلِ كَرَمًا منه وفضْلًا.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن أربعينَ خَصْلةً -أي: صِفةً أو عمَلًا- يَتحلَّى ويتَّصفُ بها المرْءُ هي مِن خِصالِ الإيمانِ والبِرِّ والإحسانِ، مَن عَمِل بها كان ثوابُه المؤكَّدُ أنْ يُدخِلَه اللهُ تَعالى الجنَّةَ بسَببِها، وذلك مع تَوفُّرِ شَرطِ الإخلاصِ للهِ، وأنْ يكونَ راجيًا بها في الآخرةِ ما عندَ اللهِ مِن الأجْرِ والثَّوابِ.
وهذه الخِصالُ أعلاهُنَّ وأعظمُهنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، أي: العطيَّةُ مِن لَبَنِ أُنثى الماعزِ، أو هي: الشَّاةُ ذَاتُ اللَّبَنِ تُعطَى لِيُنتَفَعَ بِلَبَنِها، ثُمَّ تُرَدُّ إلى أصحابِها.
وقدْ ذكَر أحدُ رُواةِ الحديثِ -وهو حسَّانُ بنُ عَطيَّةَ الشَّاميُّ- أنَّه وغيرَه عَدَّدوا ما ظنُّوه أقلَّ مِن مَنِيحَةِ العَنْزِ؛ كرَدِّ السَّلامِ، وتَشميتِ العاطسِ بالدُّعاء له بعْدَ حمْدِه للهِ، وإزالةِ الأذى عن طُرُقاتِ النَّاسِ، فذكَر أنَّهم لم يَستطيعوا عَدَّ خمْسَ عشْرةَ خَصلةً.
وقدْ جمَع غيرُه مِن العلماءِ، فبلَغَ بها الأربعينَ، وقد تَختلِفُ الأنظارُ في كونِها دونَ مَنيحةِ العَنزِ أو أعلى منها، ولعلَّ الخيرَ في عدَمِ ذِكرِها، كما فعَل النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وذلِك خَشيةَ أنْ يكونَ التَّعيينُ لها مُزهِّدًا في غيرِها مِن أبوابِ البِرِّ، ولأنَّ هذا الأجرَ إنْ كان مُترتِّبًا على مَنيحةِ العَنزِ فما دونَها، فما الظَّنُّ بما هو أعظَمُ منها؟! وقيل: مِن أَوجُهِ الحكمةِ في إبهامِه ألَّا يُحتقَرَ شَيءٌ مِن وُجوهِ البِرِّ وإنْ قلَّ.