‌‌باب: ومن سورة الحجرات5

سنن الترمذى

‌‌باب: ومن سورة الحجرات5

حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة، فقال: " يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب "، قال الله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} [الحجرات: 13]. هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر إلا من هذا الوجه، وعبد الله بن جعفر يضعف، ضعفه يحيى بن معين وغيره، وهو: والد علي بن المديني. وفي الباب عن أبي هريرة، وابن عباس

خلَق اللهُ سبحانه وتعالى آدَمَ بيَدِه مِن ترابٍ، وأسجَد له مَلائكتَه، وجعَل ذُرِّيَّتَه خُلَفاءَ في الأرضِ؛ فكلُّ إنسانٍ يُوجَدُ على هذه الأرضِ فهو مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ عليه السَّلامُ، والبشَرُ كلُّهم مُتَساوُون في أصلِ الخِلْقةِ، ولكنَّ أعمالَهم هي الَّتي تُميِّزُ بينَهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خطَب النَّاسَ يومَ فتحِ مكَّةَ"، في السَّنَةِ الثَّامنةِ مِن الهِجرةِ، "فقال" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا أيُّها النَّاسُ"، أي: الَّذين آمَنوا، "إنَّ اللهَ قد أذهَب"، أي: رفَع وأزال، "عَنكم"، أي: عن المسلِمين، "عُبِّيَّةَ الجاهِليَّةِ"، أي: الَّتي كانت في الجاهليَّةِ، كِبْرَها ونَخْوتَها، والفَخْرَ بغيرِ حقٍّ، وأصلُه مِن العِبْءِ، وهو الحِملُ الثَّقيلُ، وقيل: مأخوذٌ مِن العَبْءِ وهو النُّورُ والضِّياءُ، "وتَعاظُمَها"، أي: التَّكبُّرَ الَّذي كان في الجاهليَّةِ، "بآبائِها" مِن النَّسَبِ الَّذين ماتوا في الجاهليَّةِ، ولم يُدرِكوا الإسلامَ، "فالنَّاسُ" كلُّهم "رَجُلان"، أي: على نوعَين وصِنْفَين، وأحَدُ رَجُلَين؛ إمَّا: "بَرٌّ تقيٌّ"، مؤمِنٌ باللهِ تعالى؛ فهذا النَّوعُ "كريمٌ على اللهِ"، وإنْ لم يَكُنْ حَسيبًا ونَسيبًا في الدُّنيا، والنَّوعُ الثَّاني: "وفاجرٌ شقيٌّ"، لا يُؤمِنُ باللهِ تعالى، وهذا النَّوعُ "هَيِّنٌ على اللهِ"، لا يُساوي شيئًا وإن كان حَسيبًا وله جاهٌ وسلطانٌ في الدُّنيا.
"والنَّاسُ بَنو آدمَ"، أي: كلُّهم أبناءُ آدمَ عليه السَّلامُ وأولادُه وذُرِّيَّتُه، "وخَلَق اللهُ آدَمَ" بيَدَيه، "مِن التُّرابِ"؛ فالنَّاسُ كلُّهم مِن هذا الأصلِ، وهو التُّرابُ؛ فلا يَليقُ بأحَدٍ أصلُه ترابٌ أن يتَكبَّرَ ويَعجَبَ بنَفسِه، ومِصداقُ ذلك قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}، يَقولُ تَعالى مُخاطِبًا النَّاسَ: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}، أي: إنَّ اللهَ خَلَقهم مِن نَفْسٍ واحِدةٍ، وجعَل مِنها زَوجَها، وهما آدَمُ وحوَّاءُ عليهما السَّلامُ، {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ}، والشُّعوبُ أعَمُّ مِن القَبائلِ، وبعدَ القبائلِ مَراتِبُ أُخَرُ؛ كالفَصائلِ والعَشائرِ والعَمائرِ والأفخاذِ، وغيرِ ذلك، وقيل: المرادُ بالشُّعوبِ بُطونُ العجَمِ، وبالقبائلِ بطونُ العرَبِ؛ "لِتَعارَفوا"، أي: لِيَعرِفَ النَّاسُ بَعضُهم بعضًا، ولِيَحصُلَ التَّعارُفُ بينَهم، كلٌّ يَرجِعُ إلى قَبيلتِه، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، أي: إنَّما تتَفاضَلون عِندَ اللهِ بالتَّقْوى لا بالأحسابِ والأنسابِ؛ {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، أي: عليمٌ بكُم، خبيرٌ بأمورِكم، فيَهْدي مَن يَشاءُ، ويُضِلُّ مَن يَشاءُ، ويَرحَمُ مَن يَشاءُ، ويُعذِّبُ مَن يَشاءُ، ويُفضِّلُ مَن يَشاءُ على مَن يَشاءُ، وهو الحَكيمُ العليمُ الخبيرُ في ذلك كلِّه؛ فجَميعُ النَّاسِ في الشَّرَفِ بالنِّسبةِ الطِّينيَّةِ إلى آدَمَ وحوَّاءَ سَواءٌ، وإنَّما يتَفاضَلون بالأمورِ الدِّينيَّةِ، وهي طاعةُ اللهِ ومُتابَعةُ رسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي الحديثِ: ذمُّ الكِبْرِ والفَخرِ وأمورِ الجاهليَّةِ.
وفيه: أنَّ ميزانَ النَّاسِ عِندَ اللهِ تعالى بالتَّقوى.