حدثنا هاشم، حدثنا سليمان، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة له نغر يلعب به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا عمير، ما فعل النغير "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، ومِن أخلاقِه الكَريمةِ التَّواضعُ ومُلاعَبتُه الصِّغارَ.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه: "كان ابنٌ لأُمِّ سُليمٍ يُقال له: عُمَيرٌ"، وفي روايةِ أبي داودَ: أنَّه كان يُكْنَى أبا عُمَيرٍ، وكان صغيرًا، وهو أخو أنسٍ لأُمِّه؛ فأُمَّ سُليمٍ رضِيَ اللهُ عنها هي أُمُّ أنسِ بنِ مالكٍ، "كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُمازِحُه"، أي: يُلاعِبُه ويُلاطِفُه، "إذا دخَلَ على أُمِّ سُليمٍ، فدخَلَ يومًا فوجَدَه حزينًا، فقال: ما لأبي عُمَيرٍ حزينًا؟" يَسأَلُ عن سَببِ حُزنِه، "قالوا: يا رَسولَ اللهِ، مات نُغَرُه الَّذي كان يَلعَبُ به"، والنُّغَرُ: طائرٌ يُشْبِهُ العُصفورَ، أحمَرُ المِنقارِ، وقيل: هو العصفورُ، وقيل: هو العُصفورُ صَغيرُ المنقارِ أحمرُ الرَّأسِ، وقيل: أهلُ المدينةِ يُسَمُّونه البُلبلَ، "فجعَلَ يقولُ له: أبا عُمَير، ما فعَلَ النُّغَير؟!" يَقصِدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك مُمازحةَ الغلامِ ومُضاحكَتَهُ؛ لِيَصرِفَ عنه الحزنَ الَّذي اعتراهُ، وفي ذلك مِن العَطْفِ والتَّواضُعِ وكرَمِ الأخلاقِ ما لا يَخْفَى. وهذا الحديثُ عظيمُ الفوائِدِ، استخرَجَ بعضُ العُلماءِ مِنه أكثرَ مِن سِتِّينَ فائِدةً، وبعضُهم ذَكَر أكثرَ مِن ذلك؛ منها: بيانُ حُسنِ مُعاشَرةُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه جميعًا وعلى قَدْرِ عُقولِهم ومَدارِكهم.
ومنها: أنَّ مِن الأدبِ الحَسَنِ سُؤالَ الأخِ لأخيه عن سَببِ حُزنِه ومُواساتَه، والتَّلطُّفَ بالصَّديقِ صَغيرًا كان أو كبيرًا، والسُّؤالَ عن حالِه.
ومنها: رِعايةُ أقاربِ الخادِمِ وإكرامُهم وإظهارُ حُبِّهم.