‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1454

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1454

حدثنا علي بن عاصم، عن حميد، عن أنس، وذكر رجلا، عن الحسن، قال (3) : استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر، فقال: " إن الله قد أمكنكم منهم "، قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، اضرب أعناقهم، قال: فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا أيها الناس، إن الله قد أمكنكم منهم، وإنما هم إخوانكم بالأمس " قال: فقام عمر، فقال: يا رسول الله: اضرب أعناقهم، قال: فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم فقال للناس مثل ذلك، فقام أبو بكر، فقال: يا رسول الله، نرى (1) أن تعفو عنهم، وتقبل منهم الفداء، قال: فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم، قال: فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء، قال: وأنزل الله: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} [الأنفال: 68]

أحَلَّ اللهُ لأُمَّةِ الإسلامِ الطَّيِّباتِ، وحرَّمَ عليها الخبائثَ، ووسَّعَ عليها في كثيرٍ من الأُمورِ الَّتي كان مُضيَّقةً على الأُمَمِ قبْلَهم، ومن ذلك: أنَّ اللهَ أحَلَّ للمُسلِمين غنائمَ الحرْبِ، وهذا من خصائصِ هذه الأُمَّةِ بحِلِّ الغَنيمةِ؛ تَوسعةً عليهم، وكان ابتداءُ ذلك من غزْوةِ بدْرٍ، وفيها نزَلَ قولُه تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69]. وفي هذا الحديثِ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "لم تَحِلَّ الغنائمُ" وهي ما يأخُذُه المُحارِبون من أموالِ وعتادِ المَهزُومين في الحرْبِ، "لأحدٍ سُودِ الرُّؤوسِ" والمُرادُ بسُودِ الرُّؤوسِ بنو آدمَ؛ لأنَّ رُؤوسَهم سُوداءُ، كأنَّه يقولُ: لم يُحِلَّ اللهُ أخْذَ الغنائمِ لأحدٍ من البَشرِ، "من قبْلِكم"، أي: من الأُمَمِ الَّتي سبَقَتْ أُمَّةَ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ بيَّنَ ما كان يُصْنَعُ بها؛ فقال: "كانت تنزِلُ نارٌ من السَّماءِ فتأكُلُها"، أي: تحرِقُها تمامًا بأمْرِ اللهِ. قال سليمانُ الأعمشُ- أحدُ رُواةِ هذا الحديثِ-: "فمَن يقولُ هذا إلَّا أبو هُريرةَ الآنَ؟" ومُرادُه: أنَّه لا يقولُ أحدٌ الآنَ في هذا الحديثِ لفْظَ: "سُودِ الرُّؤوسِ" إلَّا أبو هُريرةَ، يعني: لم يَرِدْ هذا اللَّفظُ إلَّا في حديثِه، وهذا مِن تَمامِ العِنايةِ بحِفظِ الرِّواياتِ. قال: "فلمَّا كان يومُ بدْرٍ"، أي: لَمَّا جاء يومُ بَدرٍ وهُزِمَ المُشرِكون في غزْوةِ بدْرٍ، "وقَعوا في الغَنائمِ قبْلَ أنْ تحِلَّ لهم"، أي: وتحصَّلوا على غنائمِهم، فأنزَلَ اللهُ تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: 68]، أي: بإحلالِ الغنائمِ والأسْرى لكم، {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، أي: لَنالَكم وأصابَكم بسبَبِ ما أخذْتُم من الفِداءِ بالأموالِ عَذابٌ عظيمٌ من اللهِ تعالى.