نوع آخر من الذكر بعد التسليم
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن إسحق الصاغاني، قال: حدثنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة، قال: حدثنا خلاد بن سليمان، قال أبو سلمة وكان من الخائفين، عن خالد بن أبي عمران، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلسا أو صلى تكلم بكلمات، فسألته عائشة عن الكلمات، فقال: «إن تكلم بخير كان طابعا عليهن إلى يوم القيامة، وإن تكلم بغير ذلك كان كفارة له سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك»
ذِكْرُ اللهِ تعالى بأسمائه وصفاتِه على كُلِّ حينٍ من صِفاتِ الصَّالحينَ، وقد حثَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُمَّتَه على المحافظةِ على الذِّكْرِ وتَرطيبِ اللِّسانِ بِه، وكُلُّ المجالِسِ يَنْبغي أنْ تَحتويَ على ذِكْرِ اللهِ بأيِّ صُورةٍ؛ حتَّى يَكْتَمِلَ لَهم الأَجْرُ، ولا يَكونوا من الغافِلينَ
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عبدُ الله بنُ عمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: "كلماتٌ"، أي: دعاءٌ، "لا يَتكلَّمُ بِهنَّ أحَدٌ في مَجْلِسِه"، أي: إذا جَلَسَ في جَماعةٍ، ولم يَكُنْ هذا المَجْلِسُ مَجْلِسَ ذِكْرٍ، "عِنْدَ قيامِه- ثلاثَ مرَّاتٍ-"، أي: يقولُ هذا الدُّعاءَ عَقِبَ الانْتِهاءِ مِنْ مَجْلِسِه وأراد الانصرافَ مِنْه، "إلَّا كَفَّرَ بِهنَّ عَنْه"، أي: كَفَّرَ الله عَنْه ما اقْتَرَفَه مِن ذُنوبٍ في هذا المَجْلِسِ، "ولا يَقولُهُنَّ في مَجْلِسِ خيرٍ ومجلسِ ذِكْرٍ"، أي: وإذا قال هذا الدُّعاءَ عِنْدَ قيامِه مِنْ مَجْلِسِ ذِكْرٍ أو كان فيه خيرٌ، "إلَّا خَتَمَ له بِهنَّ عليه"، أي: على ما كان فيه مِن خيرٍ وحسَناتٍ، "كما يُخْتَمُ بالخاتَمِ على الصَّحيفةِ"، كان هذا الخَتْمُ بمنزلةِ الخاتَمِ الَّذي يُصدَّقُ به على الوَثائقِ تَصديقًا لِما فيها، وإقرارًا بصِحَّتِه
وهذه الكلماتُ هي: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبحَمْدِك، لا إلهَ إلَّا أنتَ، أستغفِرُكَ وأَتوبُ إليكَ"، أي: فيها تنزيهُ اللهِ وتعظيمُه، وحَمْدُه وشُكْرُه، والإقرارُ لَه بالوحدانيَّةِ، ثُمَّ طَلَبُ غُفرانِ الذُّنوبِ منه سُبْحانَه وتَعالى، ثُمَّ التَّبرُّؤُ مِن الذُّنوبِ كُلِّها والتَّوبةُ مِنْها وعدمُ الإصرارِ عليها
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على ذِكْرِ اللهِ في نهايةِ كُلِّ المجالِسِ