باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير وبيان معنى لا هجرة بعد الفتح
بطاقات دعوية
حديث مجاشع بن مسعود وأبي معبد عن أبي عثمان النهدي، عن مجاشع بن مسعود، قال: انطلقت بأبي معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الهجرة، قال: مضت الهجرة لأهلها، أبايعه على الإسلام والجهاد فلقيت أبا معبد، فسألته، فقال: صدق مجاشع
الهجرة من مكة إلى المدينة انقطع حكمها بعد فتح مكة، وأما الجهاد فهو فريضة ماضية في الأمة إلى قيام الساعة، ولا ينقطع عن هذه الأمة
وفي هذا الحديث يحكي مجاشع السلمي رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأخيه مجالد رضي الله عنه بعد فتح مكة الذي وقع في السنة الثامنة من الهجرة؛ ليبايعه على الهجرة إلى المدينة، والمبايعة هي المعاقدة والمعاهدة، وسميت بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية، كأن كل واحد منهما يبيع ما عنده من صاحبه؛ فمن طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعد بالثواب، ومن طرفهم: التزام الطاعة.
فقال صلى الله عليه وسلم: «ذهب أهل الهجرة»، أي: الذين هاجروا قبل الفتح، «بما فيها»، يعني: من الفضل والثواب الجزيل، فلا يمكن إدراكه، فقال مجاشع رضي الله عنه: على أي شيء تبايعه؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بأنه يبايعه على الإسلام، والإيمان، وهو أن يأتي بأركانهما، وأعمالهما على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، وأمر به نبيه صلى الله عليه وسلم، وبايعه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد أيضا، والمعنى أنه لم يبق سوى نية الجهاد المفروض على المسلمين عند نزول العدو، أو إرادة الفتح والغزو؛ فالهجرة وجبت لمعنيين؛ أحدهما: نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه كان في قلة، فوجب على الناس النفير إليه لنصره على أعدائه، والآخر: لاقتباس العلم، وفهم الدين، وكان أعظم المخوف عليهم مكة، فلما فتحت مكة أمن المسلمون، وانتشر الدين، فقيل للناس: قد انقطعت الهجرة، وبقيت نية المجاهدة
ويحكي التابعي أبو عثمان النهدي راوي الحديث عن مجاشع، أنه لقي أبا معبد -وهو مجالد أخو مجاشع، وكان أكبر من أخيه مجاشع- بعد سماعه الحديث من مجاشع رضي الله عنه، فسأله عن حديث مجاشع الذي سمعه منه، فقال مجالد: صدق مجاشع، يعني: فيما حدثك به
وفي الحديث: حرص التابعين على أخذ العلم عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحريهم لصحيح الرواية