باب بنيان المسجد
بطاقات دعوية
عن عبدِ اللهِ (بنِ عمر) أنَّ المسجدَ كانَ على عهدِ رسولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم - مَبنيّاً باللَّبِنِ، وسقفُه الجرِيدُ، وعُمُدُه خشبُ النَّخلِ، فلَم يَزدْ فيهِ أبو بكرٍ شيئاً، وزادَ فيهِ عُمرُ، وبناه على بنيانهِ في عهد رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - باللَّبِن والجَريدِ، وأعادَ عمُدَه خشباً، ثم غيَّرَه عثْمانُ، فزادَ فيهِ زيادةً كثيرةً، وبنى جدارَه بالحجارةِ المنقُوشَةِ، والقَصَّةِ ، وجعَلَ عمُدَه من حجارةٍ منقوشةٍ، وسقَفَه بالسَّاجِ.
أمَرَ الإسلامُ بعدَمِ الإسرافِ في كُلِّ شَيءٍ، ومِن ذلك بِناءُ المساجِدِ، وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما المراحِلَ التي مَرَّ بها بِناءُ مَسجِدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرَ أنَّ المسجِدَ كان على عَهْدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَبْنيًّا باللَّبِنِ؛ وهو ما يُبْنى به ويُصنَعُ مِن الطِّينِ اللَّيِّنِ، ويُجفَّفُ بالشَّمسِ، وكان سَقْفُه الجَريدَ، وهي فُروعُ النَّخلِ، وكانت أعْمِدتُه مِن جُذُوعِ النَّخْلِ المقطوعةِ مِن البُستانِ القديمِ الذي بُنِيَ مكانَه المسجِدُ، وظلَّ المسجدُ على بِنايةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مِساحتِه وصُورتِه، فلم يَزِدْ فيه أبو بكرٍ شَيئًا بالزِّيادةِ أو النُّقْصانِ أثناءَ مُدَّةِ خِلافتِه، ولمَّا تَولَّى عمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه الخلافةَ زاد في الطُّولِ والعَرْضِ، ولكنَّه لم يُغَيِّرْ في طَريقةِ بِنائِه، بلْ بَناهُ مرَّةً أُخرى على طَريقةِ بُنيانِه في عَهْدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللَّبِن والجَريدِ، لكنْ أعاد عُمُده خَشبًا، ثمَّ قال عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: ثمَّ غَيَّرَه عُثمانُ فجَدَّدَه وطَوَّرَ في بِنائِه وبَنَى جِدارَه بالحِجارَةِ المنقوشَةِ والقَصَّةِ؛ وهي الجِصُّ والجيرِ الذي يُبْنى به ويُطْلى، وجَعَل سَقْفَه مِن السَّاجِ، وهو خَشَبٌ هِنديٌّ جيِّدٌ ذو قِيمةٍ أسوَدُ اللَّونِ.وقيل: أوَّلُ مَن زَخرَفَ المساجدَ الوليدُ بنُ عبدِ الملِكِ بنِ مَرْوانَ، وذلك في أواخِرِ عصْرِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ تعالى عنهم، وسكَتَ كَثيرٌ مِن أهلِ العِلمِ عن إنكارِ ذلك خَوفًا مِن الفِتنةِ.
وفي الحديثِ: أنَّ السُّنَّةَ في بُنيانِ المساجِدِ القَصْدُ، وتَرْكُ الغُلُوِّ في تَشييدِها خَشْيةَ الفِتْنةِ والمُباهاةِ بِبُنيانِها.
وفيه: دَليلٌ على الزِّيادةِ في المساجدِ، وهَدْمِها لتَوسعتِها وإعادةِ بِنائِها على وَجْهٍ أصلَحَ مِن البناءِ الأوَّلِ.