حديث أبي رمثة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم 10

مسند احمد

حديث أبي رمثة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم 10

 قال عبد الله بن أحمد، حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد، حدثنا هشيم، غير مرة، قال: أخبرني عبد الملك بن عمير، عن إياد بن لقيط، عن أبي رمثة التيمي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي، فقال: «ابنك هذا؟» قلت: أشهد به، قال: «لا يجني عليك، ولا تجني عليه» ، قال: ورأيت الشيب أحمر

مِن عَدْلِ اللهِ سُبحانه وتعالى أنَّه يُحاسِبُ كلَّ شخْصٍ بما ارْتَكبَه مِن عملٍ؛ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، بلْ كلُّ نفْسٍ مَرهونَةٌ بما جنَتْ يَداهَا، ولا يَحمِلُ إنسانٌ ذنْبَ غيرِه وإنْ كان أقرَبَ النَّاسِ إليهِ

 وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو رِمْثَةَ البَلَويُّ، واسْمُه رِفاعةُ بنُ يَثْربيٍّ. وقيل: يَثربيُّ بنُ رِفاعةَ. وقيل: ابنُ عوفٍ. وقيل: عُمارةُ بنُ يَثربيٍّ، قال: انطلَقْتُ مع أبي نحوَ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: ذَهبْنا مُتوجِّهَينِ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فلمَّا رأيْتُه، قال لي أبي: هل تَدْري مَنْ هذا؟" أي: هل تَعرِفُ شَخصَه؟ "قلْتُ: لا، فقال: لي أبي: هذا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فاقْشعرَرْتُ حِينَ قال ذاك"، أي: شَعَرْتُ برَعشةٍ واضطرابٍ، "وكنتُ أظُنُّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا لا يُشبِهُ النَّاسَ، فإذا بشَرٌ له وَفرةٌ"، أي: له شَعرٌ كثيفٌ مُتوفِّرٌ يصِلُ إلى الأُذنِ ولا يُجاوِزُها. "قال عفَّانُ في حَديثِه: ذو وَفرةٍ، وبها رَدْعٌ مِن حِنَّاءٍ"، أي: بها أثَرٌ مِن الصَّبغِ بالحِنَّاءِ، وعفَّانُ هو ابنُ مُسلمٍ الصَّفَّارُ أحدُ رُواةِ الحديثِ، "عليه ثَوبانِ أخضرانِ" أي: كان يلبَسُ ثوبيْنِ ردَاءً وإزارًا لونُهما أخضرُ، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحبُّ اللونَ الأخضرَ، "فسلَّمَ عليه أبي" أي: ألْقَى عليه تَحيةَ السَّلامِ "ثمَّ جلَسْنا، فتَحدَّثْنا ساعةً" أي: تحدَّثُوا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ الوقتِ. قال: "ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لأبي: ابنُك هذا؟" يَقصِدُ ابنَه أبا رِمْثةَ الَّذي رآهُ معه، "قال: إي، ورَبِّ الكعبَةِ"، أي: نعمْ ورَبِّ الكعبَةِ هو ابْنِي، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "حقًّا؟" أي: إنَّ ما تَقولُهُ صِدقٌ؟ "قال: أشْهَدُ بهِ"، أي: أشهَدُ على ذلك، قال أبو رِمْثةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فتبَسَّمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضاحكًا"، أي: تعجَّبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وظهَرَ أثَرُ هذا التَّعجُّبِ في تَبسُّمِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "مِن ثَبَتِ شَبَهي بأبي"، أي: ثُبوتِ قُوَّةِ الشَّبهِ بيْني وبيْن أبي، "ومِن حَلِفِ أبي عليَّ"، أي: إنَّ قُوَّةَ هذا الشَّبَهِ تُغني عن الحَلِفِ، ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أمَا إنَّه لا يَجْني عليك"، أي: لا تُؤخَذُ بجِنايتِه، ولا تُعاقَبُ بذَنْبِه، "ولا تَجْني عليهِ"، أي: لا يُؤخَذُ بجِنايتِك، ولا يُعاقَبُ بذَنْبِك؛ فإنَّ المُذنِبَ هو الَّذي يُؤخَذُ بما فعَلَ وارتكَبَ مِن جِنايَةٍ، "وقرَأَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: تَلا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه الآيَةَ: {وَلَا تَزِرُ}، أي: لا تتَحمَّلُ نفْسٌ، {وَازِرَةٌ}: ارتكبَت إثمًا، {وِزْرَ أُخْرَى}: ذنْبَ نَفْسٍ أُخرى، والمَقصودُ: أنَّه لا يُعاقَبُ شخْصٌ بذَنْبِ غَيرِه، وإنَّما الَّذي يَستحِقُّ العُقوبةَ مَن فعَلَ الذَّنْبَ وارتكَبَ المعصيَةَ. قال أبو رِمثةَ: "ثمَّ نظَرَ"، أي: والدُه، "إلى مِثْلِ السِّلْعةِ بيْن كَتِفَيه"، أي: ظنَّ أنَّ خاتَمَ النُّبوَّةِ الَّذي بِظَهرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا مُتعلِّقًا بمَرضٍ، "فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي لَأَطُبُّ الرِّجالَ"، أي: عارِفٌ بالطِّبِّ ومُعالَجةِ الأمراضِ، "ألَا أُعالِجُها لك؟ قال: لا، طَبيبُها الَّذي خلَقَها"، أي: إنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ هوَ الشَّافي والمُعافِي في الحقيقةِ

وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ الشِّفاءَ بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يَمنَعُ هذا مِن الأخذِ بالأسبابِ وطلَبِ التَّداوي مِن الأمراضِ