حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو معصوب الرأس قال: فتلقاه الأنصار ونساؤهم وأبناؤهم، فإذا هو بوجوه الأنصار فقال: " والذي نفسي بيده إني لأحبكم " وقال: " إن الأنصار قد قضوا ما عليهم، وبقي ما عليكم، فأحسنوا إلى محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم " (1)
للأنْصارِ دَورٌ كبيرٌ في نُصرةِ الإسلامِ، ونُصْرةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ ولذلكَ عظُمَ فضلُهمْ وأَثْنى المَوْلى سُبْحانهُ وتَعالى عليهم؛ فبِهِمْ أقامَ اللهُ دِينَه، ونَصَرَ رسولَه، ورَفَعَ لواءَهُ. وفي هذا الحديثِ يَحكي أنسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، خَرَجَ يومًا غاضِبًا" وفي رِوايةِ ابْنِ حِبَّانَ: "عاصِبًا رأْسَهُ"، وهذا دَليلٌ على تَعَبِهِ حتى إنَّه رَبَطَ رأْسَهُ لِيَسْكُنَ من تَعَبِها، "فتلقَّاهُ ذَرارِيُّ الأنْصارِ"، أي: قابَلَهُ أطْفالُ الأنْصارِ "وخَدَمُهُم، قال: ما هُمْ بوُجوهِ الأنْصارِ يومَئذٍ" ليسوا الوُّجَهاءَ منَ الأنْصارِ، "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والذي نَفْسي بيَدِهِ، وإنِّي لَأُحِبُّكم -مرَّتيْنِ أو ثلاثًا- ثم قال: إنَّ الأنصارَ قد قَضَوُا الذي عليهم"، والمقصودُ: أنَّهم أدَّوْا أمانةَ الدِّينِ؛ فهُمُ الذين آوَوْا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والمُهاجِرينَ وبَذَلوا في سَبيلِ اللهِ كُلَّ خَيْرٍ، ووَفَّوْا بشُروطِ بَيْعاتِهِم التي بايَعوا عليها النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "وبَقِيَ الذي عليكم"، من حُسْنِ الجَزاءِ، وإِعْظامِ شَأْنِهِم، وعِرْفانِ إِحْسانِهِم، والوفاءِ لهم على صَنيعِهِم مِثلَهُ، "فأَحْسِنوا إلى مُحْسِنِهم"، أي: يُبذَلُ فيهم الخيْرُ والإكْرامُ "وتَجاوَزوا عن مُسيئِهِم"، أي: اعْفُوا عنْ مَنْ أساءَ منهم، فيما دُونَ الحُدودِ وحُقوقِ العِبادِ. وفي هذا الحديثِ: بَيانُ مَنزِلةِ الأَنْصارِ العاليةِ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.