حدثنا عبد الصمد، حدثني أبي، حدثنا عبد العزيز، عن أنس قال: " لم يخرج إلينا نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا، وأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكر يتقدم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب فرفعه، فلما وضح لنا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم، ما نظرنا منظرا قط كان أعجب إلينا من وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا، فأومأ بيده صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر: أن يتقدم، وأرخى نبي الله صلى الله عليه وسلم الحجاب، فلم (2) يقدر عليه حتى مات "
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم أعرفَ الناسِ لقَدْرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومَكانتِه، فأحَبُّوه حُبًّا شَديدًا، والْتَزَموا الأدَبَ معه، وحَرَصوا على مُرافَقتِه ومُوافَقتِه والقُربِ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما حَزِنوا على شَيءٍ حُزْنَهم على فِراقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وفي هذا الحديثِ يَحكي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أبا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضيَ اللهُ عنه كانَ يُصلِّي بهم إمامًا في المَسجِدِ النَّبويِّ في مرَضِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي تُوفِّيَ فيه، حتَّى إذا كانَ يومُ الاثنَينِ وهُم صُفوفٌ في صَلاةِ الفجْرِ، كَشَف النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِترَ الحُجرةِ يَنظُرُ إليهم وهو قائِمٌ، كأنَّ وَجْهَه ورَقةَ مُصحَفٍ؛ مِن رِقَّة الجِلدِ، وصَفاءِ البَشرةِ، والجَمالِ البارِع، ثُمَّ تَبسَّمَ ضاحِكًا فَرِحًا باجتِماعِهم على الصَّلاةِ، واتِّفاقِ كَلِمتِهم، وإقامةِ شَريعتِه.
قال أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه: فهَمَمْنا، أي: أوشَكْنا أنْ نُفْتَتَن بأنْ نَخرُجَ مِن الصَّلاةِ؛ مِن الفَرَحِ بِرُؤيتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنَكَصَ أبو بَكْرٍ رَضيَ اللهُ عنه على عَقِبَيه، أي: رَجَعَ القَهْقَرَى إلى الخَلْفِ؛ ليَأتِيَ إلى الصَّفِّ ويَرجِعَ عن مَقامِ الإمامةِ لمَقامِ المأمومينَ ظنًّا منه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خارِجٌ إلى الصَّلاةِ، فأشارَ إلَينا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنِ اثْبُتوا على ما أنتُمْ عليه وأتِمُّوا صَلاتَكم، وأرْخى السِّترَ، فتُوفِّيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في يومِه هذا، وذلك في شَهرِ رَبيعٍ الأوَّلِ سَنةَ إحدى عَشْرٍ مِن الهِجرةِ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَها ابنَ ثَلاثٍ وسِتِّينَ سَنةً، وكانتْ مُصيبَةُ المُسلِمينَ الكُبرَى بِوَفاةِ رَسولِهِم الكَريمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: ما يَدُلُّ على اهتِمامِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالصَّلاةِ والمُسلمينَ حتَّى آخِرَ يَومٍ مِن أيَّامِ حَياتِه في الدُّنيا.
وفيه: تَحديدُ اليومِ الذي تُوفِّيَ فيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأنَّه كان يومَ الاثنينِ.
وفيه: دَلالةٌ على أنَّ أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه أفضلُ النَّاسِ بعدَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَوْلاهم بخِلافتِه.