مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 192
مسند احمد

حدثنا يحيى، عن مالك، حدثنا زيد بن أسلم، سمعت ابن عمر، يقول: جاء رجلان من أهل المشرق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخطبا، فعجب الناس من بيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان سحرا» أو: «إن بعض البيان سحر»
الشِّعرُ نوعٌ مِن الكلامِ المُنمَّقِ الموزونُ الذي يُؤثِّرُ في النُّفوسِ، وحُكْمُه حُكْمُ الكلامِ باللِّسانِ بحسبِ ما فيه مِن المعاني؛ فقد يكونُ شرًّا وسُوءًا، وقد يكونُ حِكْمةً وأخلاقًا
وفي هذا الحَديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ مِن البيانِ"، أي: مِن بعضِ أنواعِ الكلامِ المنطوقِ نُطْقًا بيانيًّا، باجتماعِ الفصاحةِ والبلاغةِ وذَكاءِ القلْبِ مع اللِّسانِ؛ ما يكونُ "سِحْرًا"؛ وذلك لحدَّةِ عمَلِه في سامِعِه، وسُرعةِ قَبولِ القلْبِ له، وهذا الكلامُ يُضْرَبُ في استحسانِ المنطقِ وإيرادِ الحُجَّةِ البالغةِ، وقيل: هذا مدْحٌ؛ لأنَّ اللهَ امتنَّ على عِبادِه بتعليمِهم البيانَ، وأصْلُ السِّحرِ: الصَّرفُ، والبيانُ يَصرِفُ القلوبُ ويُمِيلها إلى ما يَدْعو إليه، وقيل: هو ذمٌّ؛ لأنَّه إمالةَ القلوبِ وصرْفَها بمقاطعِ الكلامِ إليه حتَّى تَكتسِبَ مِن الإثمِ به كما تُكتسَبُ بالسِّحرِ. "وإنَّ مِن الشِّعرِ"، وهو الكلامُ المُقفَّى الموزونُ قصدًا، "حِكمةً"، أي: يكونُ في بعضِ أنواعِ الشِّعرِ حِكمةٌ مِن القولِ الصَّادقِ المطابقِ للحقِّ، وهو ما فيه المواعظُ والأمثالُ، والكلامُ النَّافعُ الذي يَمنَعُ مِن الجهلِ والسَّفهِ، ويَنْهى عنهما