مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 26

مسند احمد

مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 26

حدثنا إسحاق بن يوسف، عن سفيان، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، قال: كتب عبد العزيز بن مروان إلى ابن عمر، أن ارفع إلي حاجتك، قال: فكتب إليه ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: «إن اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، ولست أسألك شيئا، ولا أرد رزقا رزقنيه الله منك»

ربَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه على العِفَّةِ وعِزَّةِ النَّفْسِ وعُلوِّ الهِمَّةِ، وعدَمِ سُؤالِ الناسِ، وكانوا رضوانُ اللهِ عليهم إذا ما رَزَقهم اللهُ بمالٍ حَرَصوا على إنفاقِه في وُجوهِ الخيرِ، وقد أخَذوا مِن الدُّنيا ما ساقَه اللهُ إليهم ولم يُهينوا أنفُسَهم ولا أراقوا ماءَ وُجوهِهم عندَ الوُلاةِ ولا غيرِهم

 وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التابِعيُّ القَعْقاعُ بن حَكيمٍ المَدَنيُّ: "عن عبْدِ اللهِ بن عُمَرَ، أنَّ عبْدَ العزيزِ بن مَرْوانَ كَتَبَ إليه"، أي: كَتَبَ رِسالةً إلى ابْنِ عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما، وكان عبْدُ العزيزِ أخَا الخليفةِ عبْدِ المَلِكِ بن مَرْوانَ، وتولَّى وِلايةَ مِصْرَ، وهو والِدُ عُمَرَ بن عبْدِ العَزيزِ أميرِ المُؤْمِنينَ، وفي روايةِ البَيْهَقيِّ في شُعَبِ الإِيمانِ أنَّ الذي كَتَبَ إليه هو عُمَرُ بن عبْدِ العَزيزِ: "أنِ ارْفَعْ إليَّ حاجَتَكَ"، أي: يطْلُبُ منه أنْ يَكْتُبَ إليه ما يَحْتاجُهُ من مالٍ ونَفَقاتٍ أو غيرِ ذلك، "فكَتَبَ إليه عبْدُ اللهِ بن عُمَرَ يقولُ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: اليَدُ العُلْيا"، وهي المُنْفِقَةُ، "خيْرٌ من اليَدِ السُّفْلَى" وهي اليدُ التي تأخُذُ النَّفقةَ، فالمنفقةُ أفْضَلُ مِن التي تَسْأَلُ أو تأخُذُ النَّفقةَ، "وابْدَأْ بمَنْ تَعولُ"، أي: وابْدَأْ بمَنْ يجبُ عليك نفقتُهُمْ، وما يَحْتاجونَ إليه من أُمورِ الحياةِ، مِنْ قُوتٍ، وَسَكَنٍ، وَمَلْبَسٍ. قال ابْنُ عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما: "وإنِّي لأَحْسَبُ اليَدَ العُلْيا إلَّا المُعْطيةَ، ولا السُّفْلَى إلَّا السَّائِلَةَ، وإنِّي غيْرُ سائِلِك شيْئًا"، أي: لهذا المعنى الواردِ في الحَديثِ، ولأنَّ كونَ الإنْسانِ مُعطِيًا ومُنْفِقًا خَيْرٌ له من أنْ يكونَ سائِلًا وآخِذًا، "ولا رادٍّ رِزقًا ساقَهُ اللهُ إليَّ منك، والسَّلامُ"، أي: وغيرُ مُمْتنِعٍ عن قَبولِ ما تُنْفِقُه وتُعْطِيهِ وتُرْسِلُه إليَّ؛ فهو على سَبيلِ الرِّزقِ الذي جَعَلَك اللهُ سببًا له

وفي الحديثِ: الحَثُّ على العِفَّةِ والحَثِّ على الصَّدقةِ والإنفاقِ، وأن يكون المرءُ صاحبَ اليدِ العُليا

وفيه: قَبولُ هَدايا الوُلاةِ وعطاياهم إذا جاءتْ من غَيرِ إشرافٍ نَفْسٍ، مع حِفظِ مَكانةِ المرء وفَضْلِه