مسند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما 5
مسند احمد
حدثنا هشيم، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، قال: كنا مع ابن عمر حيث " أفاض من عرفات إلى جمع فصلى بنا المغرب، ومضى، ثم قال: الصلاة، فصلى ركعتين "، ثم قال [ص:18]: «هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذا المكان كما فعلت»
نَفَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما كان في الحَجِّ مِن أعمالِ الجاهليَّةِ، وأقَرَّ ما أمَرَه اللهُ سُبحانَه وتعالَى بإقرارِه. وفي هذا الحَديثِ يَروي التَّابِعيُّ عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ النَّاسَ كانوا يَطوفونَ في الجاهليَّةِ بالكَعبةِ عُراةً، إلَّا الحُمْسَ، والحُمْسُ: هم: قُرَيشٌ، وكِنانَةُ، وجَديلَةُ؛ سُمُّوا بذلك؛ لِتَحَمُّسِهم وتَشَدُّدِهم في دِينِهم، وكانتِ الحُمْسُ يُعطونَ النَّاسَ حِسبةً للهِ، فيُعطي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثِّيابَ يَطوفُ فيها، وتُعطي المَرأةُ المَرأةَ الثِّيابَ تَطوفُ فيها، فمَن لم تُعطِه الحُمْسُ ثِيابًا طاف بالبَيتِ عُريانًا. وكان يُفيضُ جَماعةُ النَّاسِ -غيرَ الحُمْسِ- يُدفَعونَ مِن عَرَفاتٍ، وتُفيضُ الحُمْسُ مِن جَمْعٍ، وهي المُزدَلِفةُ، ولا يَتجاوَزونَها إلى عَرَفةَ؛ لِئلَّا يَخرُجوا عن حُدودِ الحَرَمِ الذي شَرَّفَهمُ اللهُ بسُكناه، وجَعَلَه عِصمةً لدِمائِهم وأموالِهم، وعَرَفةُ ليسَتْ مِنَ الحَرمِ. ويَحكي عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ خالَتَه أُمَّ المُؤمِنينَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها أخبَرَتْ أنَّ آيةَ {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199] نزَلَتْ في الحُمْسِ؛ لِأنَّهم كانوا يُفيضونَ مِن جَمْعٍ مِنَ المُزدَلِفةِ، وهي المَكانُ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بَعدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتٍ ويَبِيتونَ فيه لَيلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشعَرُ الحَرامُ، وهو بجِوارِ مِنًى، وتَبعُدُ عن عَرَفةَ حَوالَيِ (12 كم). فدُفِعوا وأُمِروا بالذَّهابِ إلى عَرَفاتٍ؛ لِيَقِفوا بها، ثم يُفيضوا منها إلى مُزدَلِفةَ مع بَقيَّةِ النَّاسِ، وعَرَفاتٌ: جَبَلٌ يَقَعُ على الطَّريقِ بَيْنَ مَكَّةَ والطَّائِفِ، يَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيِ (22 كم)، وعلى بُعدِ (10 كم) مِن مِنًى، و(6 كم) مِن مُزدَلِفةَ