"‌‌باب: في العزل وما أراد الله كونه كونه"211

السنة لابن ابي عاصم

"‌‌باب: في العزل وما أراد الله كونه كونه"211

ثنا أبو بكر ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال:
إن لي خادما يسقي على ناضح لي وأنا أعزل عنها فجاءت بولد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما قدر الله لنفس بخلقها إلا هي كائنة"

مَقاديرُ الخَلائقِ كُلُّها بيَدِ اللهِ وَحْدَه؛ فهو عَلَّامُ الغُيوبِ، وعلى المُسلِمِ أنْ يَتوَكَّلَ على اللهِ، ويَأخُذَ بالأسْبابِ، ثمَّ يُفوِّضَ أمْرَه إلى اللهِ تعالَى.

وفي هذا الحديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما أنَّ رجلًا جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَسألُه عنِ العَزلِ، وأنَّ له أَمةً يَعزِلُ عنها مَخافةَ أنْ تَحمِلَ؛ فهلْ يَجوزُ له العَزلُ عَنها أمْ لا؟ والعَزلُ يكونُ بنَزْعِ الذَّكَرِ مِن فَرْجِ المَرْأةِ قبْلَ الإنْزالِ، ويُنزِلُ الرَّجلُ خارِجَ الفَرْجِ؛ مَنعًا لحُدوثِ الحَمْلِ، فأَجابَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «إنَّ ذلكَ لنْ يَمنَعَ شيئًا أَرادَه اللهُ»، ومعناهُ: أنَّ اللهَ تَعالى إذا قَدَّر خَلْقَ نفْسٍ فَلا بدَّ مِن خَلقِها، وأنَّه قد يَسبِقُكم الماءُ والمَنِيُّ فَلا تَقدِرون عَلى دَفعِه، وَلا يَنفعُكمُ الحِرصُ عَلى ذلكَ؛ فقدْ يَسبِقُ الماءُ مِن غيرِ شُعورِ العازلِ لِتَمامِ ما قَدَّره اللهُ، وما مِن نفْسٍ كائنةٍ في عِلمِ اللهِ تعالَى أنَّها ستُولَدُ إلَّا وهي كائنةٌ في الواقعِ، سَواءٌ حدَثَ العَزْلُ أو لم يَحدُثْ، وكذلك قدْ يُوجَدُ الإنزالُ ولا يكونُ ولَدٌ؛ فالعَزْلُ أوِ الإنزالُ مُتَساوِيانِ في ألَّا يَكونَ منه ولَدٌ إلَّا بتَقْديرِ اللهِ تعالَى. ثمَّ بعْدَ مدَّةٍ جاءَ ذلك الرَّجلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وذَكرَ لَه مِن شأنِ الجاريةِ الَّتي كان يَعزِلُ عنها، وأنَّها قدْ حَمَلتْ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: «أَنا عبدُ اللهِ ورَسولُه»، أي: إنَّ ما أَقولُ لكُم حقٌّ، فَاعتَمِدوه واستَيقِنوه؛ فإنَّه يَأتي مِثلَ فَلَقِ الصُّبحِ. 

وفي الحَديثِ: حِرصُ الصَّحابةِ على تَعلُّمِ أُمورِ دِينِهم مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.