‌‌‌‌‌‌باب في ذكر مسألة نبينا صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى لذة النظر إلى وجهه شوقا إلى لقائه والدعاء به"252

السنة لابن ابي عاصم

‌‌‌‌‌‌باب في ذكر مسألة نبينا صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى لذة النظر إلى وجهه شوقا إلى لقائه والدعاء به"252

ثنا الحوطي وعمرو بن عثمان ومحمد بن مصفى قالوا: حدثنا بقية بن الوليد ثنا بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن عمرو بن الأسود عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إني قد حذرتكم الدجال حتى قد خشيت أن لا تعقلوا1 إن المسيح الدجال رجل قصير أفحج أدعج ممسوح العين ليس بناتئة ولا حجرا فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور وإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا"

 كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم يُوصِي أصحابَه رضِيَ الله عَنهم ويُحذِّرُهم مِن فِتنةِ الدجَّالِ ويبيِّنُه لهم، وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم: "إنِّي قد حدَّثتُكم عنِ الدَّجَّالِ حتى خَشِيتُ ألَّا تَعقِلوا"، أي: أكثرتُ علَيكمْ في البَيانِ عنه وفي التَّحذيرِ مِنه حتى خَشِيتُ أن يُلبَسَ علَيكم أمرُه، أو أنَّ الكَثرةَ في الكلامِ والتَّحذيرِ تكونُ سببًا في ذَهابِ الكلامِ؛ "إنَّ مسيحَ الدجَّالِ"؛ وسُمِّي مَسيحًا قيل: لأنَّ أحدَ شِقَّي وَجهِه مَمسوحٌ فلا عينٌ ولا حاجبٌ، وقيلَ غيرُ ذلكَ. ومِن أوصافِ المسيحِ الدَّجَّالِ أنَّه "رَجلٌ قَصيرٌ، أفْحَجُ"، أي: يُباعِد بينَ رِجلَيهِ عندَ المشيِ كَمِشيةِ المخْتَتنِ، "جَعْدٌ"، أي: صفةُ شَعرِه أنَّه خشِنٌ، "أعوَرُ مَطموسُ العَينِ ليسَ بناتِئةٍ ولا حَجْراءَ"، أي: إنَّه فاقدٌ إحْدى عَينَيهِ، وصِفةُ هذا العُوارِ أنها مَمسوحةٌ ليسَ فيها بُروزٌ ولا غائرةٌ في داخلِ الجَفنِ.

 ثمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "فإنْ أُلبِسَ عَليكم"، أي: فإنِ اشتبَهَ علَيكُم عندَ خُروجِه مِن نِسيانٍ أو لِكَثرةِ ما مَعه مِن فتنٍ؛ "فاعلَموا أنَّ رَبَّكم ليسَ بأعورَ"، أي: إنَّ الدجَّالَ أعورُ، وهي صِفةُ نَقصٍ، والمسيحُ يَدَّعِي الأُلوهيَّةَ، والإلهُ الحقُّ تَنتفِي عَنه صِفاتُ النَّقصِ، وفي حديثٍ آخَر: "ألَا إنَّ المسيحَ الدجَّالَ أعورُ العينِ اليُمنى، كأنَّ عَينَه عِنبةٌ طافيةٌ"، وفي آخَرَ: "الدجالُ ممسوحُ العينِ"؛ فمجموع تِلك الأحاديثِ تُخبرُ بآياتٍ ظاهرةٍ يَشتركُ فيها الناسُ، تُبيِّن لهم كذبَه فيما يدَّعيه من الرُّبوبيَّة، وقد ثبَتَ أنَّ للهِ عزَّ وجلَّ عينًا، والعينُ في الخَلقِ يَجوزُ أن تُفقَدَ، وصِفاتُ اللهِ تعالى لا يجوزُ أن تَفقدَ أبدًا، وقد دلَّ هذا الحديثُ على أنَّ للهِ تعالى عَينَينِ اثنتينِ تليقان بذاتِه وجلالِه وكمالِه.