باب ما يقول عند الإفطار

وروينا في كتابي ابن ماجه، وابن السني، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد " قال ابن أبي مليكة: سمعت عبد الله بن عمرو إذا أفطر
يقول: " اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شئ أن تغفر لي " (6) .
بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أسباب إجابة الدعاء، وبين صفات الأشخاص التي يقبل الله دعاءهم.
وفي هذا الحديث يروي أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم"، أي: يستجاب لهم، سواء كانت دعوتهم لأنفسهم أو لغيرهم، وقيل: سرعة إجابة الدعاء إنما تكون لصلاح الداعي، أو لتضرعه في الدعاء إليه تعالى، وذكر العدد ليس للحصر ولكن للبيان، "الإمام العادل" المراد به: صاحب الولاية العظمى، ويلتحق به كل من ولي شيئا من أمور المسلمين فعدل فيه، واتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، كما قال الله تعالى عنهم: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} [الحج: 41]، وقدم الإمام العادل في الذكر؛ لعموم النفع به، واستجابة دعوته ناتجة عن مخالفته الهوى، وصبره عن تنفيذ ما تدعوه إليه شهواته وطمعه وغضبه، مع قدرته على بلوغ غرضه من ذلك؛ فإن الإمام العادل دعته الدنيا كلها إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله رب العالمين، وهذا أنفع الخلق لعباد الله؛ فإنه إذا صلح صلحت الرعية كلها.
"والصائم حتى يفطر" وهذا لمطلق الصائمين وخصوصا في رمضان؛ فعلى الصائم أن يغتنم هذا الوقت ويدعو بحضور قلب وإيقان بالإجابة في وقت ترجى فيه الإجابة؛ فإنه وقت ذل وانكسار بين يدي الله تعالى، مع كونه صائما ويكرر الدعاء، وعند ابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عند كل فطر عتقاء، وذلك في كل ليلة"، فمن دعا ربه بقلب حاضر ودعاء مشروع وهو صائم، ولم يمنع من إجابة الدعاء مانع كأكل الحرام ونحوه؛ فإن الله تعالى قد وعده بالإجابة.
"ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام يوم القيامة"، أي: فوق السحاب، "وتفتح لها أبواب السماء ويقول"، أي: الرب عز وجل: "وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين"، أي: لو بعد مدة وزمن، وهذا تحذير شديد، وإنذار ووعيد للظالمين؛ ولعظمة أمرها تفتح أبواب السماء لها نفسها، أو للملك الذي يرفعها. وهو سبحانه لعله يؤجل العقوبة؛ لأنه حليم؛ لعل الظالم يرجع عن الظلم والذنوب إلى إرضاء الخصوم والتوبة.
وفي الحديث: أن الله سبحانه يمهل الظالم، ولا يهمله.