حديث أبي شهم
مسند احمد

حدثنا أسود بن عامر، حدثنا هريم بن سفيان، عن بيان، عن قيس، عن أبي شهم قال: مرت بي جارية بالمدينة فأخذت بكشحها. قال: وأصبح الرسول يبايع الناس، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيته فلم يبايعني. فقال: «صاحب الجبيذة» قال [ص:189]: قلت: والله لا أعود. قال: «فبايعني»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أرادَ أحَدٌ أن يُسلِمَ بايَعَه على الإسلامِ، بأن يَأخُذَ مِنه العَهدَ والميثاقَ على التِزامِ أحكامِ الإسلامِ ونُصرةِ اللهِ ورَسولِه، ولَكِنَّه كان لا يُبايِعُ بَعضَ الأشخاصِ حَتَّى يَترُكَ ما عِندَه مِنَ الذُّنوبِ والمَعاصي
ومِن ذلك ما جاءَ في قِصَّةِ الصَّحابيِّ يَزيدَ بنِ أبي شَيبةَ أبي شَهمٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ فقد حَكى عن نَفسِه فقال: كُنتُ رَجُلًا بَطَّالًا، أي: ليس لي عَمَلٌ أشتَغِلُ به، صاحِبَ لَهوٍ وجَهالةٍ، والبَطَّالُ: هو المُتَعَطِّلُ عنِ العَمَلِ، فمَرَّت بي جاريةٌ، أي: فتاةٌ، في بَعضِ طُرُقِ المَدينةِ، فأهوَيتُ إلى كَشحِها. والكَشحُ: ما بَينَ الخاصِرةِ إلى الضِّلعِ الخَلفيِّ، وفي رِوايةٍ: فأهوى بيَدِه إلى خاصِرَتِها. والخَصرُ: وسَطُ الإنسانِ. والمَعنى: أنَّه لَمَسَها بيَدِه، فلَمَّا كان الغَدُ أتى النَّاسُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُبايِعونَه، فأتَيتُه، أي: لكَي يُبايِعَ، فبَسَطتُ يَدَي لأُبايِعَه، فقَبَضَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه. وقال: أحسَبُك، أي: أظُنُّك، صاحِبَ الجُبَيذةِ! وهيَ تَصغيرُ جَبذةٍ، بمَعنى: الشَّدَّةِ والجَذبةِ، أي: أنَّك الذي جَبَذتَ الجاريةَ بالأمسِ! فقال: يا رَسولَ اللهِ، بايِعْني فواللهِ لا أعودُ أبَدًا، أي: لا أعودُ لفِعلٍ مِثلِ ذلك الفِعلِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فنَعَم إذَنْ، أي: قَبِلَ مِنه ذلك وبايَعَه لمَّا عَلِمَ مِن صِدقِ تَوبَتِه
وفي الحَديثِ مُبايَعةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للنَّاسِ
وفيه مُعجِزةٌ مِن مُعجِزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَيثُ عَرَف بفِعلِ هذا الصَّحابيِّ
وفيه مَشروعيَّةُ المُصافَحةِ باليَدِ عِندَ البَيعةِ
وفيه امتِناعُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن مُبايَعةِ مَن عِندَه مُنكَرٌ