‌‌ذكر إباحة الحسد لمن أوتي كتاب الله تعالى فقام به آناء الليل والنهار65

صحيح ابن حبان

‌‌ذكر إباحة الحسد لمن أوتي كتاب الله تعالى فقام به آناء الليل والنهار65

أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون حدثنا بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن الزهري عن سالمعن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار"1. [2:1]

الحَسَدُ أنواعٌ مختلِفة: فمِنه: حَسَدٌ مَذمومٌ محرَّمٌ شرْعًا، وهو أنْ يَتمنَّى المرءُ زَوالَ النِّعمةِ عن أخيهِ.

ومنه: حَسَدٌ مَحمودٌ مُستحَبٌّ شرْعًا، وهو أنْ يرَى نِعمةً دِينيَّةً عندَ غيرِه، فيَتمنَّاها لنفْسِه مِن غيرِ تَمنِّي زَوالِها عن صاحبِها، ويُسمَّى الغِبْطةَ، وهو ما عَنَاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحَديثِ بقولِه: «لا حَسَدَ إلَّا في اثنتَيْن»، أي: إنَّ الحسدَ لا يكونُ مَحمودًا إلَّا في أمرَيْن؛ فالأوَّلُ: «رجلٌ علَّمه اللهُ القرآنَ، فهو يَتْلُوه آناءَ الليلِ وآناءَ النَّهارِ»، أي: يَتْلُوه على الدَّوامِ ويستَمِرُّ على ذلك في ساعاتِ الليل والنهار، «فسَمِعه جارٌ له، فقال: لَيْتني أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ، فعَمِلتُ مِثلَ ما يَعمَلُ»، يعني: فرَتَّلْتُه وقرأتُه مِثلَ جاري، «ورجلٌ آتاهُ اللهُ مالًا» حلالًا، «فهو يُهلِكُه في الحقِّ» فيُنْفِقُه كلَّه في الطَّاعاتِ والبِرِّ، فيما ينفَعُه وينفَعُ غيرَه، ويُرضي ربَّه، «فقال رجُلٌ: لَيْتني أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فلانٌ، فعَمِلتُ مِثْلَ ما يَعمَلُ»، أي: يتمنَّى الفقيرُ أنْ يكونَ مِثلَ الرَّجُلِ الغنِيِّ، ويَغبِطُه على هذه النِّعمةِ، فهذا ليس مَذمومًا شرْعًا، بل هو ممَّا يَنْبغي للمُسْلمين التَّسارُعُ فيه؛ ليُحصِّلوا الأجرَ والثَّوابَ.

وفي الحَديثِ: توجيهٌ ونهيٌ عن الحسَدِ المذمومِ.

وفيه: أنَّ الغنيَّ إذا قام بشَرطِ المالِ، وفعَل فيه ما يُرضي اللهَ، كان أفضلَ مِن الفقيرِ.

 وفيه: المنافسةُ في الخيرِ، والحضُّ عليه.