باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من كل ليلة

وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن " قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
من رحمة الله تعالى بعباده أن شرع لهم النوافل؛ لكي تجبر الخلل الواقع في الفرائض؛ فعلى الإنسان أن يكثر من النوافل ويصليها في كل الأوقات، إلا الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها
وفي هذا الحديث يقول عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقد أتاه والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، "فقلت: يا رسول الله، من أسلم معك؟"، أي: من دخل معك في الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حر وعبد"، يقصد النبي صلى الله عليه وسلم: أبا بكر، وبلالا رضي الله عنهما، "قلت: هل من ساعة أقرب إلى الله عز وجل من أخرى؟"، أي: أرجى للدعاء وأولى للإجابة من ساعة أخرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم؛ جوف الليل الآخر"، أي: ثلث الليل الأخير، "فصل ما بدا لك"، أي: صل كما تريد في هذا الوقت المبارك، "حتى تصلي الصبح"، أي: حتى تصلها بصلاة الصبح، "ثم انته"، أي: اترك الصلاة، "حتى تطلع الشمس"، أي: لا تصل بعد الفجر شيئا حتى تطلع الشمس وترتفع مقدار رمح أو رمحين في رأي العين، "وما دامت- وقال أيوب، وهو ابن محمد، أحد الرواة: فما دامت-"، أي: مدة دوامها وبقائها، "كأنها"، أي: الشمس، "حجفة"، أي: مثل الترس الصغير الذي يتقى به من ضربات السيف، والمراد: ليست لها حرارة، وتستطيع أن تنظر إليها، "حتى تنتشر"، أي: في السماء، وترتفع قدر رمح أو رمحين، "ثم صل"، أي: بعد ارتفاع الشمس وخروج وقت النهي، "ما بدا لك"، أي: كيفما تريد، "حتى يقوم العمود على ظله"، أي: يكون ظله تحته كأنه قائم، وهو وقت الزوال، فلا يبقى عند الزوال والاستواء ظل، بل يرتفع عنها، وهو الوقت الذي تكون فيه الشمس في وسط السماء، "ثم انته"، أي: اترك الصلاة، "حتى تزول"، أي: تميل، "الشمس" نحو الغروب؛ "فإن جهنم تسجر"، أي: توقد وتسعر في "نصف النهار"، أي: تفتح أبوابها، "ثم صل" بعد زوال الشمس، "ما بدا لك"، أي: كيفما تريد وتشاء، حتى تصلي العصر، "ثم" إذا صليت العصر، "انته"، أي: اترك الصلاة، حتى تغرب الشمس؛ "فإنها"، أي: الشمس، "تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان"، أي: إن الشيطان يقرن ظهوره عند هذه الأوقات، فيقترب من الشمس؛ ليكون الساجدون لها كأنهم ساجدون له، وقيل: المعنى على ظاهره، وأن للشيطان قرنين على جانبي رأسه، وعند هذه الأوقات يقترب من الشمس فتكون بين قرنيه
وفي الحديث: بيان لأوقات النهي عن الصلاة.
وفيه: الإكثار من النوافل، وأنها في كل الأوقات، ما عدا أوقات النهي.
وفيه: تفاضل الأوقات فيما بينها للدعاء وللصلاة .