باب فضل السلام والأمر بإفشائه

وروينا في " صحيحيهما " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خلق الله عز وجل آدم على صورته (3) طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك: نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك،
فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه: ورحمة الله " (4) .
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام على صورة الرحمن، وليس المعنى: التشبيه والتمثيل، بل الصورة التي لله لا يحيط بعلمها وكيفيتها مخلوق، فنثبت له سبحانه ما أثبته لنفسه دون تعطيل أو تكييف أو تشبيه، وإنما المعنى: أنه خلق الله آدم سميعا بصيرا ذا وجه وذا يد وذا قدم، لكن ليس السمع كالسمع، وليس البصر كالبصر، وليس التكلم كالتكلم، بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته، وللعبد صفاته التي تليق به؛ فصفات العبد يعتريها الفناء والنقص، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء؛ ولهذا قال عز وجل: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، وقال سبحانه: {ولم يكن له كفوا أحد} [الإخلاص: 4].
وبعد أن أتم الله خلق آدم وتكوينه، ونفخ فيه الروح، وأصبح بشرا سويا، أمره عز وجل أن يذهب إلى نفر -وهم الجماعة- من الملائكة ويسلم عليهم، وينظر ماذا يردون به ليتعلمه ويحفظه؛ لأنه التحية التي شرعها الله لآدم وذريته، فقال لهم: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادته الملائكة: «ورحمة الله»، فأصبحت هذه الصيغة المشروعة في الرد على السلام.
وأخبر نبي الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى خلق آدم طوله ستون ذراعا، وأن كل من يدخل الجنة سيكون على صورة آدم في الحسن والجمال وطول القامة، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن ذريته لم يزل ينقص طولها من عهد آدم عليه السلام إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: بيان خلق آدم عليه السلام، وأن المؤمنين حين يدخلون الجنة يكونون على صورة أبيهم آدم وطول قامته.
وفيه: أن السلام والمحبة من أصل الدين، وهو ما يبدأ به المسلم.
وفيه: أن بدء خلق البشر كان على حال أعظم مما هي عليه الآن، لا العكس.