حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما 17

مسند احمد

حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما 17

حدثنا حسن، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر، أنها كانت إذا ثردت، غطته شيئا حتى يذهب فوره، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه أعظم للبركة»

كان القُرآنُ يَنزِلُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيُعالِجُ ما يَطرَأُ مِن خَللٍ، ويُقدِّمُ حُلولًا لما يَستجِدُّ مِن مَشاكِلَ، وكان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَتلونَه فيَجِدونَ فيه الشِّفاءَ
وفي هذا الحديثِ يَحكي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه: "كانتِ امرأةٌ تُصلِّي خَلْفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حَسناءَ مِن أحسنِ النَّاسِ"، أي: كان مِن ضِمنِ النِّساءِ اللَّاتي تُصلِّي مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المسجدِ امرأةٌ شَديدةُ الجمالِ والحُسنِ، "لا واللهِ، ما رأَيْتُ مِثلَها قَطُّ"، وهذا بَيانٌ لشِدَّةِ جَمالِها وعَدمِ وُجودِ مِثلِه. وكان المسجدُ أيَّامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي فيه الرِّجالُ والنِّساءُ خَلْفَ بعضِهما، فيَصُفُّ الرِّجالُ، ثُمَّ الصِّبيانُ، ثُمَّ النِّساءُ في الصُّفوفِ الأخيرةِ، ولم يكُنْ لهنَّ مسجِدٌ خاصٌّ بهنَّ كما هو الحالُ اليومَ. قال ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: "فكان بعضُ القَومِ يتقدَّمُ حتى يكونَ في الصَّفِّ الأوَّلِ لئلَّا يراها"، أي: وكان بعضُ الرِّجالِ المُصلِّينَ يَتعمَّدُ أنْ يكونَ في الصُّفوفِ الأُولى خَلْفَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حتى لا يراها ويُفتَنَ بها، "ويَستأخِرُ بعضُهم حتى يكونَ في الصَّفِّ المؤخَّرِ، فإذا ركَعَ نظَرَ مِن تحتِ إبْطَيه وجافى يدَيه"، أي: باعَدَ بينَ ذِراعَيه، والمعنى أنَّه كان أيضًا بعضُ الرِّجالِ المُصلِّينَ يَتعمَّدُ أنْ يَتأخَّرَ، فيكونَ في الصَّفِّ الأخيرِ حتى يَنظُرَ إليها، فكان إذا ركَعَ نظَرَ إليها مِن تحتِ إبْطِه في غَفلةٍ يَسرِقُ بها النَّظرَ إليها، "فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} [الحجر: 24]"، أي: كأنَّ اللهَ تعالى أرادَ أنْ يُعلِّمَهم أنَّه يَعلَمُ خَبرَهم، ويَعلَمُ مَكنونَ صُدورِهم، فيَمتَنِعوا عن مِثلِ ذلك، وفي هذا مَدحٌ وثَناءٌ على المُتقدِّمِ المُبتعِدِ عن مَواطِنِ المَعصيةِ والفِتنةِ، وتَحذيرٌ وتَرهيبٌ لمَن يأتي المَعصيةَ، وإنْ قصَدَ التَّخفِّي والبُعدَ عن أعيُنِ النَّاسِ. وقد ذَكَر بعضُ المُفسِّرينَ معنى آخَرَ للآيةِ، وهو: أنَّا قد عَلِمْنا المُستَقدِمينَ منكم في المَوتِ؛ فتَقدَّمَ مَوتُه، والمُستأخِرينَ منكم في المَوتِ؛ فتَأخَّرَ أجَلُه، ومَن هو حادثٌ منكم ممَّن لم يَحدُثْ بعدُ
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن ارتِكابِ المَعاصي والذُّنوبِ في غَفلةِ النَّاسِ؛ لأنَّ اللهَ مُطَّلعٌ على عِبادِه، ما يُسِرُّونَ منه وما يُعلِنونَ