ذكر ما يستحب للمرء من ترك سرد الأحاديث حذر قلة التعظيم والتوقير لها40
صحيح ابن حبان

أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال حدثنا أبو الطاهر بن السرح قال حدثنا بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة قالت: "ألا يعجبك1 أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم"2. [109:2]
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يُحبُّونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَنقُلونَ أدقَّ تَفاصيلِه في الهَيْئةِ والشَّكلِ، وطَريقةِ الكَلامِ، وغَيرِ ذلك.
وفي هذا الحَديثِ تَحْكي أُمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها قالت لعُروةَ بنِ الزُّبَيرِ: ألَا يُعجِبُكَ أبو فُلانٍ؟ وتَقصِدُ أبا هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، فإنَّه جاء ذاتَ يومٍ، فجلَس إلى جانبِ حُجرتِها، وكان يُحدِّثُ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسرُدُ حَديثَه، ويَقصِدُ إسْماعَها ذلك، وكُنتُ أُسبِّحُ؛ أي: تُصلِّي نافِلةً، أوِ التَّسبيحُ الَّذي هو الذِّكرُ، فقام أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه قبلَ أنْ تْقضيَ وتَنتَهيَ من سُبحتِها، وقالت: ولو أدْرَكتُه لردَدْتُ عليه؛ أي: لأنْكَرتُ عليه سَرْدَه، وبيَّنْتُ له أنَّ التَّأنِّيَ في الحَديثِ أوْلى منَ السَّردِ؛ فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يكُنْ يَسرُدُ الحَديثَ كسَردِكم؛ أي: لم يكُنْ يُتابِعُ الحَديثَ بحَديثٍ استِعْجالًا؛ بل كان يَتكلَّمُ بكَلامٍ واضِحٍ مَفهومٍ على سَبيلِ التَّأنِّي خَوفَ التِباسِه على المُستمِعِ، وكان يُعيدُ الكَلمةَ ثَلاثًا لتُفهَمَ عنه.
وفي الحَديثِ: رَحمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأُمَّتِه وحِرصُه على الإيضاحِ والبَيانِ.
وفيه: إحْسانُ الإبانةِ للحَديثِ والإبْلاعُ في إفْصاحٍ وأَناةٍ في التَّحدُّثِ، وأوْلى النَّاسِ بذلك مُدرِّسو العُلومِ ونَحوُهم.