مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها 93

مسند احمد

مسند الصديقة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها 93
حدثنا ابن نمير، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن غالب قال: انتهيت إلى عائشة أنا وعمار والأشتر، فقال عمار: السلام عليك يا أمتاه، فقالت: السلام على من اتبع الهدى، حتى أعادها عليها مرتين أو ثلاثا، ثم قال: أما والله إنك لأمي وإن كرهت، قالت: من هذا معك؟ قال: هذا الأشتر، قالت: أنت الذي أردت أن تقتل ابن أختي؟ قال: نعم، قد أردت ذلك وأراده، قالت: أما لو فعلت ما أفلحت، أما أنت يا عمار [ص:350]، فقد سمعت أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا من ثلاثة: إلا من زنى بعدما أحصن، أو كفر بعدما أسلم، أو قتل نفسا فقتل بها "

دمُ المُسلمِ على المُسلمِ حَرامٌ؛ فلا يَحِلُّ إراقةُ دَمِ مُوحِّدٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ إلَّا بِحقِّ اللهِ تعالى، وقد ذكَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ

في هذا الحديثِ ما يَحِلُّ به دمُ المُسلمِ، وهي ثلاثةُ أشياءَ، حيثُ يقولُ التابِعيُّ عَمْرُو بنُ غالبٍ الهَمْدانيُّ: "انتَهَيْتُ إلى عائشةَ" وذهبْتُ إليها "أنا وعمَّارٌ" ابنُ ياسرٍ رضِيَ اللهُ عنه، "والأشتَرُ" واسمُه مَالِكُ بنُ الحَارِثِ النَّخَعِيُّ، "فقال عمَّارٌ: السلامُ عليكِ يا أُمَّتاهْ"؛ وذلك أنَّ زَوجاتِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُمَّهاتُ المُؤمِنينَ، "فقالت: السَّلامُ على مَنِ اتبَعَ الهُدى"، وهذا ردٌّ يدُلُّ على غَضَبِها منه، وفيه تَعْريضٌ أنَّ عمَّارًا ممَّن يتَّبِعُ الهَوى، ولعلَّ هذا حينَ بعَثَه عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عنه إلى أهلِ الكُوفةِ يَطلُبُ منهمُ الخُروجَ إلى البَصْرةِ لقِتالِ جَيْشِ عَائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قبلَ مَعرَكةِ الجَمَلِ، "حتى أعادَها عليها مرَّتَينِ أو ثلاثًا" تَأْكيدًا لسَلامِه عليها وتَبْجيلِه لها بأنَّها أُمُّه وأُمُّ المُؤمِنينَ، "ثم قال: أمَا واللهِ إنَّكِ لأُمِّي، وإنْ كَرِهْتِ"؛ فإنَّ أُمومَتَها للمُسلِمينَ أمرٌ منَ اللهِ ورسولِه، وليس برِضَا أحدٍ أو غَضَبِه، "قالتْ: مَن هذا معَكَ؟ قال: هذا الأشتَرُ، قالت: أنتَ الذي أردْتَ أنْ تَقتُلَ ابنَ أُخْتي؟" وهو عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ بنِ العوَّامِ ابنُ أُختِها أسماءَ، وقيلَ: إنَّ ابنَ الزُّبَيْرِ بارَزَ الأَشْتَرَ، وطالَتِ المُحاوَلةُ بينَهما ولم يَستطِعْ أحدٌ قَتلَ الآخَرِ في وَقْعةِ الجَملِ، "قال: نَعم، قد أردْتُ ذلك وأرادَه"! أيْ: وأرادَ هو كذلك قَتْلي، "قالت: أمَا لو فعلْتَ ما أفلحْتَ"؛ لأنَّ قَتلَ المُسلِمِ حَرامٌ، "أمَّا أنتَ يا عمَّارُ، فقد سَمِعْتَ -أو سَمِعْتُ- رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مُسلمٍ إلَّا من ثلاثةٍ: إلَّا مَن زَنى بعدَما أُحصِنَ"، وهو المُتزَوِّجُ، أو مَن سَبَقَ له الزَّواجُ، وارتكَبَ فَاحشةَ الزِّنا؛ فإنَّهُ يُرجَمُ حتَّى الموتِ، "أو كفَرَ بعدَما أسلَمَ"، وهو المُرتَدُّ الَّذي تَركَ دِينَ الإسلامِ وارتَدَّ عنه لغيرِه مِنَ الأدْيانِ ففارَقَ جماعةَ المُسلِمينَ؛ فإنَّه يَحِلُّ دَمُه بهذه الرِّدَّةِ، "أو قَتلَ نَفسًا فقُتِلَ بها" فمَن قتَلَ نفْسًا بغيرِ حَقٍّ، فإنَّ القاتِلَ يُقتَلُ بها قِصاصًا
وفي الحديث: تَعظيمُ حُرْمةِ الدَّمِ المُسلِمِ عِندَ اللَّهِ تعالَى، وأنَّه لا يجوزُ الاعتداءُ عليه إلَّا بحقِّهِ
وفيه: بيانُ خُطورةِ الرِّدَّةِ، والزِّنا بعدَ الإحصانِ، وقَتْلِ النَّفْسِ بغيرِ حَقٍّ، وأنَّها مُوجِباتٌ لقَتِلِ مَن وقَعَ فيهنَّ
وفيه: تَعظيمُ أمْرِ أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ عندَ الصَّحابةِ حتَّى عند الخِلافِ معَهُنَّ في الرَّأْي