مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم221
مسند احمد

حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن عمران أبي الحكم، (2) عن ابن عباس، قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك أن يجعل لنا الصفا ذهبا، ونؤمن بك، قال: " وتفعلون؟ " قالوا: نعم، قال: فدعا، فأتاه جبريل فقال: " إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهبا، فمن كفر بعد ذلك منهم عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة "، قال: " بل باب التوبة والرحمة "
ضرَبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرْوَعَ الأمثلةِ في الصَّبرِ على دَعوتِهِ، وما لاقاهُ مِن إيذاءِ الكفَّارِ، وعَنَتِهم وطَلبِهم الآياتِ والمعجراتِ حتى يُؤمِنوا بالرِّسالةِ، ومع ذلك فقد كان يدْعو اللهَ أنْ يَهدِيَهم، وأنْ يُخْرِجَ مِن أصْلابِهم مَن يَشْهَدُ بالتوحيدِ.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ عبدُ اللهِ بنُ عباسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "قالتْ قُريشٌ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ادْعُ لنا ربَّك يَجْعَلْ لنَا الصَّفا ذَهَبًا"، والمعنى أنْ يُحَوِّلَ جبَلَ الصَّفا وحِجارتَه إلى ذَهَبٍ خالصٍ؛ مُعجِزةً، وعلامةً وحُجَّةً على نُبُوَّتِه، وسُمِّيَ (الصَّفَا) بهذا الاسمِ؛ لأنَّ حِجارتَه مِن الصَّفَا، وهو الـحَجَرُ الأملَسُ الصُّلْبُ، ويقَعُ في أصلِ جبَلِ أبي قُبَيسٍ، "فإنْ أصبَحَ ذَهَبًا اتَّبَعناك" وآمنَّا بك وبرِسالَتِك، "فدعا ربَّه" بما طلَبُوه؛ لعلَّهم يُؤمِنون، "فأتاهُ جِبْريلُ عليه السلامُ، فقال: إنَّ ربَّك يُقرِئُك السلامَ"، أي: يُحَيِّيك ويُلْقِي عليك تَحِيَّةَ السلامِ، "ويقولُ لك: إنْ شِئْتَ أصْبَحَ لهم الصَّفَا ذَهَبًا؛ فمَن كفَرَ منهم عَذَّبتُه عذابًا لا أُعذِّبُه أحدًا مِن العالمينَ"؛ وذلك لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد أنْفَذَ لهم ما طلَبُوه، وهو مِن قَبِيلِ الـمُعجزةِ، فحَقَّ عليهم أنْ يُؤمِنوا، وألَّا يَستكبِرَ منهم أحدٌ ويُعانِدَ في الإسلامِ، "وإنْ شِئتَ فتَحْتُ لهم بابَ التوبةِ والرَّحمةِ"، أي: أجْعَلُ لهم بابَ التوبةِ مَفتوحًا؛ لِيتوبُوا عن شِرْكِهم وكُفرِهم إذا تَبيَّنَ لهم الحقُّ والـهُدى بَدلًا مِن إهلاكِهم، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "بلْ بابُ التوبةِ والرَّحمةِ"، وهذا مِن حُسْنِ خُلُقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومَحبَّتِه لهِدايةِ الناسِ، وصبْرِه عليهم؛ لعلَّ اللهَ أن يَهْدِيَهم، أو يُخْرِجَ مِن أصْلابِهم مَن يَعبُدُ اللهَ ولا يُشرِكُ به شيئًا، وهذا أيضًا مِن حُسْنِ صَبْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أمْرِ اللهِ .