باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

روينا في سنن أبي داود عن قيس بن عباد التابعي رحمه الله وهو بضم العين وتخفيف الباء - قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال (1) .
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته في كافة المواطن
وفي هذا الحديث يخبر التابعي قيس بن عباد أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون رفع الأصوات-أي: أن يعلو صوت الإنسان عن غير المعتاد، أو أنه يتكلم بغير حاجته، وأكثر مما ينبغي- عند ثلاثة مواطن: الأول: «عند القتال»؛ يكرهون رفع الصوت وانتشاره في ساحة المعركة، وكان ذلك يحدث في الجاهلية؛ للتفاخر، والمباهاة، وإظهار الشجاعة، وبيان الكثرة، وأما المسلمون فإنهم يسلمون أمرهم لله، وقد قيل في الحكمة من ذلك: هو ما يجلبه رفع الصوت من شعور بإحباط، أو فشل، أو قلة تركيز في المعركة؛ مما يؤدي إلى الهزيمة والفشل، بخلاف الصمت؛ فإنه يزيد تركيز المقاتلين، ويشعرهم بالثبات واقتراب النصر. وقيل: يستثنى من ذلك ذكر الله، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل خيبر، فرفع يده، وقال: الله أكبر! خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين».
والموطن الثاني: «عند الجنائز»: جمع جنازة، وهو اسم للميت في النعش، والمراد: أن الهدوء والصمت مطلوب عند اتباع الجنائز؛ تقديرا لهول الموقف، والمشروع عند اتباعها تذكر الآخرة والموت، والدعاء للميت بالمغفرة والرحمة، من دون رفع الأصوات.
والموطن الثالث: «عند الذكر»؛ وهو الدعاء، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا أشرفنا على واد، هللنا، وكبرنا، وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس، اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه معكم؛ إنه سميع قريب، تبارك اسمه، وتعالى جده»؛ يعني: من تدعونه هو السميع البصير، يسمع سركم ونجواكم، ولا يخفى عليه شيء من قولكم، فلا حاجة في رفع الصوت
والأصل أن الإسلام ينهى عن رفع الصوت مطلقا في غير حاجة، كما في قوله تعالى: {واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان: 19]، وإنما خص تلك المواطن بالذكر؛ للتأكيد عليها، وحتى لا يقلد بعض المسلمين غيرهم فيما يفعلوه في تلك المواطن بدافع الشجاعة، أو الحزن، أو العاطفة.