"باب: ذكر أطفال الكفار الذين يموتون صغارا وآباؤهم كفار"119
السنة لابن ابي عاصم

ثنا محمد بن عوف حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان بن عمر "و" عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد الكوفي عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقال:
"إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي وليس كذلك إن أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا. اللهم إني لا أحل لهم فساد ما أصلحت وايم والله لتكفأن أمتي عن دينها كما تكفأن الإناء في البطحاء"
خَلقَ اللهُ تَعالى الخَلقَ لغايةٍ عَظيمةٍ، وهيَ تَوحيدُه سُبحانَه وتَعالى وعِبادَتُه، ولأجلِ ذلك أرسَلَ إلى النَّاسِ الرُّسُلَ يَدعونَهم إلى عِبادةِ اللهِ وحدَه، فما زالَ اللَّهُ تَعالى يُرسِلُ رُسُلَه وأنبياءَه مِن لَدُن آدَمَ عليه السَّلامُ إلى عَهدِ نَبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد دَعا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم النَّاسَ إلى التَّوحيدِ، واجتَهَدَ في دَعوتِهم بكُلِّ الطُّرُقِ، وكان يُرسِلُ الرُّسُلَ إلى البُلدانِ يَدعونَ النَّاسَ لعِبادةِ اللهِ وحدَه، ولمَّا أرسَلَ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى اليَمَنِ خَرَجَ مَعَه يوصيه، ثُمَّ التَفتَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المَدينةِ، فقال: إنَّ أهلَ بَيتي هؤلاء -يَعني الذينَ في المَدينةِ- يَرونَ أنَّهم أولى النَّاسِ بي، وليس كذلك، أي: ليس الأمرُ كما يَزعُمونَ؛ فإنَّ أوليائي مِنكُمُ المُتَّقونَ مَن كانوا وحَيثُ كانوا؛ وذلك لأنَّ أكرَمَ النَّاسِ عِندَ اللهِ أتقاهم، فالعِبرةُ ليست بالأنسابِ وإنَّما بالتَّقوى والعَمَلِ الصَّالحِ، ثُمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهُمَّ إنِّي لا أُحِلُّ لَهم -أي: أُمَّتي- فسادَ ما أصلَحْتَ، وايمُ اللَّهِ -وهيَ مِن ألفاظِ القِسمِ- لَتُكفأَنَّ -أي: لتُكَبُّ وتَميلُ- أُمَّتي عَن دينِها كما يُكفَأنَّ -أي: كما يُكَبُّ ويُقلَبُ- الإناءُ في البَطحاءِ، وهو الحَصى الصِّغارُ. والمَعنى: أنَّ الأُمَّةَ سَوف تُغَيِّرُ وتَتَغَيَّرُ عَمَّا كانت عليه في أيَّامِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد وقَعَ ذلك بَعدَه صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ بَعثِ الدُّعاةِ والعُلَماءِ للنَّاسِ لتَعليمِهم أمرَ دينِهم.
وفيه فضلُ وفِقهُ مُعاذٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه بَيانُ أنَّ أولى النَّاسِ بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم همُ المُتَّقونَ.
وفيه بَيانُ أنَّ هذه الأُمَّةَ سَوف تُغَيِّرُ وتُبَدِّلُ أمرَ دينِها عَمَّا كان عليه الدِّينُ في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفيه بَيانُ مُعجِزةٍ مِن مُعجِزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .