باب فضل العلم تعلما 10

بطاقات دعوية

باب فضل العلم تعلما 10

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع». رواه الترمذي، (1) وقال: «حديث حسن»

كان التابعون رضي الله عنهم يحرصون كل الحرص على تعلم أمور الدين وسنة النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضوان الله عليهم، فكانوا يأتونهم فيسألونهم ويستفتونهم فيفتونهم ويعلمونهم
وفي هذا الحديث يقول التابعي الجليل زر بن حبيش: "أتيت صفوان بن عسال المرادي، أسأله عن المسح على الخفين"، أي: ذهبت إلى الصحابي الجليل صفوان بن عسال لكي أسأله عن حكم المسح على الخفين، "فقال: ما جاء بك يا زر؟"، أي: ما سبب مجيئك يا زر؟ "فقلت: ابتغاء العلم"، أي: فقال زر: جئت أطلب منك العلم، فقال صفوان: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب"، أي: إن الملائكة تفترش أجنحتها لمن يطلب العلم وتجعل أجنحتها فراشا له من شدة رضاهم عنه لطلبه العلم، وقيل: تفعل الملائكة ذلك تواضعا لطالب العلم، وتعظيما لشأنه وإجلالا له، وقيل: المعنى على الحقيقة؛ حيث إن الملائكة تضع أجنحتها وتنزل لاستماع العلم
قال زر: "فقلت: إنه حك في صدري المسح على الخفين بعد الغائط والبول"، أي: إني شككت في أمر المسح على الخفين بعد التبرز أو التبول؛ فهل هو جائز بعد التبرز أو التبول أم لا؟ "وكنت امرأ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، أي: وكنت أنت يا صفوان من الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم وتعلموا منه وأخذوا منه الدين والعلم، "فجئت أسألك: هل سمعته يذكر في ذلك شيئا؟"، أي: وحضرت إليك يا صفوان؛ لكي أسألك هل سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا في المسح على الخفين؟ "قال: نعم"، أي: قال صفوان: نعم، سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين شيئا؛ قال: "كان يأمرنا إذا كنا سفرا - أو مسافرين - ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة"، أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على الخفين لمدة ثلاثة أيام بلياليهن ولا نخلعهما إلا إذا أصابت أحدنا جنابة فأراد أن يغتسل خلع خفيه واغتسل، "لكن من غائط وبول ونوم"، أي: ولم يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نخلع الخفين بعد التبرز أو التبول أو النوم، ولكن نمسح عليهما ولا نخلعهما
"قال فقلت: هل سمعته يذكر في الهوى شيئا"، أي: قال زر لصفوان سائلا إياه: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم عن الحب أو يذكر فيه شيئا؟ "قال: نعم"، أي: قال صفوان: نعم، سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم حديثا عن الحب، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر "فبينا نحن عنده"، أي: فبينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، "إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري: يا محمد"، أي: جاء أعرابي من البدو الذين يسكنون الصحراء فنادى على النبي صلى الله عليه وسلم بصوت عال ومرتفع فقال: يا محمد، "فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته"، أي: فرد النبي صلى الله عليه وسلم على الأعرابي بصوت عال ومرتفع مثل الصوت الذي ناداه به، وهذا من حسن خلقه وجميل شمائله صلى الله عليه وسلم، وقال له: "هاؤم"، أي: تعال أنا هنا، "فقلنا له: اغضض من صوتك؛ فإنك عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نهيت عن هذا"، أي: فقال الصحابة للأعرابي: اخفض صوتك؛ فإنك عند النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله قد نهى المؤمنين عن ذلك حيث قال: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 2]، "فقال: والله لا أغضض"، أي: فقال الأعرابي للصحابة رضي الله عنهم: والله لن أخفض صوتي، "قال الأعرابي: المرء يحب القوم ولما يلحق بهم"، أي: سأل الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يحب أناسا في الله ولا يستطيع أن يعمل بمثل أعمالهم من أبواب الخير، ويريد أن يكون معهم يوم القيامة في درجتهم، ولا يريد أن يفرق بينه وبين أحبته، "قال النبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب يوم القيامة"، أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي مجيبا له: المرء يكون مع أحبته يوم القيامة وإن لم يعمل بمثل أعمالهم
قال زر بن حبيش: "فما زال يحدثنا"، أي: فما زال صفوان بن عسال يحدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، "حتى ذكر بابا من قبل المغرب مسيرة عرضه، أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاما"، أي: حتى ذكر صفوان حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه أن عند مغرب الشمس بابا للتوبة عرضه مسيرة أربعين أو سبعين سنة، "قال سفيان" أحد رواة الإسناد: "قبل الشام خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحا، يعني: للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه"، أي: هذا الباب من ناحية الشام، وقد خلقه الله يوم خلق السموات والأرض، وجعله مفتوحا للتوبة لا يغلق أبدا حتى تطلع الشمس منه، فإذا طلعت منه فقد ذهب زمن التوبة، ولا يقبل الله توبة أحد بعدها
وفي الحديث: فضل طلب العلم، وعظم منزلة طالب العلم، واحتفاء الملائكة بطالب العلم.
وفيه: بيان حرص التابعين على طلب العلم من الصحابة رضي الله عنهم.