"‌‌باب: في ذكر قوله عليه السلام: "لو قلت إن شيئا سابق القدر لقلت العين تسبق القدر"184

السنة لابن ابي عاصم

"‌‌باب: في ذكر قوله عليه السلام: "لو قلت إن شيئا سابق القدر لقلت العين تسبق القدر"184

حدثنا أسيد بن عاصم ثنا أبو سفيان عن النعمان عن ابن المبارك عن عبد الله بن أبي زيد قال: سمعت مجاهدا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لو قلت لشيء يسبق القدر لقلت العين تسبق القدر"

الإصابةُ بالعَينِ ثابتةٌ مَوجودةٌ، ولَها تَأثيرٌ في النُّفوسِ، وقد تُسَبِّبُ الضَّرَرَ بقدَرِ اللهِ تعالى، وهيَ نَظَرٌ بالاستِحسانِ مَشوبٌ بحَسَدٍ مِن خَبيثِ الطَّبعِ يَحصُلُ للمَنظورِ فيه ضَرَرٌ؛ ولهذا حَذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ العَينِ وخُطورَتِها، وليس مِن شَرطِ العَينِ أنَّها تَقَعُ مِنَ الشَّخصِ الشِّرِّيرِ أوِ الخَبيثِ؛ فقد تَقَعُ مِنَ الإنسانِ الصَّالحِ مِن حَيثُ إعجابُه بشَيءٍ يَراه في نَفسِه أو مالِه أو ولَدِه أو غَيرِ ذلك؛ ولهذا أرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن رَأى مِن أخيه أو مِن نَفسِه شَيئًا يُحِبُّه أو يُعجِبُه أن يَدعوَ له بالبَرَكةِ، وكَذلك عَلَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه كَيفيَّةَ العِلاجِ مِنَ العَينِ والحَسَدِ بالرُّقيةِ الشَّرعيَّةِ، بأن يَقرَأَ المَريضُ على نَفسِه بَعضَ الآياتِ مِنَ القُرآنِ الكَريمِ أو بَعضَ الأدعيةِ والأذكارِ التي ورَدَت عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإذا لَم يَستَطِعْ هو ذلك فلَه أن يَطلُبَ مَن يَرقيه مِن أهلِ الخَيرِ والصَّلاحِ؛ فقد جاءَت أسماءُ بنتُ عُمَيسٍ رَضيَ اللهُ عنها، وكانت زَوجةَ جَعفَرِ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ العَينَ، أي: الإصابةَ بعَينِ الحاسِدِ، تُسرِعُ إلى بَني جَعفَرٍ! أي: تَعجَلُ وتُؤثِّرُ عَينُ الحاسِدِ في أولادِ جَعفَرٍ؛ لكَمالِ حُسنِهم وجَمالِهمُ الجَسَديِّ أوِ المَعنَويِّ، فأسترقي لَهم؟ أي: هَل أطلُبُ مَن يَرقيهم مِنَ العَينِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعَم، أي: اطلُبي مَن يَرقيهم؛ فإنَّها أَولى وأحرى بأن تَستَرِقيَ؛ فإنَّه أمرٌ عَظيمٌ يُشرَعُ الاستِرقاءُ له، ولَو أنَّ شَيئًا يَسبِقُ القدَرَ، أي: لَو فُرِضَ أنَّ لشَيءٍ قوةً بحَيثُ يَسبِقُ القدَرَ، لَقُلتُ: إنَّ العَينَ تَسبِقُه! أي: لَكانتِ العَينُ تَسبقُ القدَرَ، ولَكِنَّها لا تَسبِقُ القدَرَ؛ فإنَّه تعالى قدَّرَ المَقاديرَ قَبلَ أن يَخلُقَ الخَلقَ بخَمسينَ ألفَ سَنةٍ. وهذا مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُبالغةٌ في تَحقيقِ إصابةِ العَينِ، جَرى مَجرى التَّمثيلِ؛ إذ لا يَرُدُّ القَدَرَ شَيءٌ؛ فإنَّه عِبارةٌ عن سابِقِ عِلمِ اللَّهِ، ونُفوذِ مَشيئَتِه، ولا رادَّ لأمرِه، ولا مُعَقِّبَ لحُكمِه.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الرُّقيةِ لمَن أُصيبَ بالعَينِ.
وفيه مَشروعيَّةُ طَلَبِ الرُّقيةِ مِنَ الغَيرِ.
وفيه إثباتُ القَدَرِ.
وفيه إثباتُ تَأثيرِ العَينِ.
وفيه خُطورةُ العَينِ .