وروينا في " سنن أبي داود " بإسناد صحيح، عن خارجة بن الصلت، عن عمه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، ثم رجعت فمررت على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبك هذا قد جاء بخير، فهل عندك شئ تداويه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب، فبرأ، فأعطوني مائة شاة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: " هل إلا هذا " وفي رواية: " هل قلت غير هذا؟ " قلت: لا، قال: " خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل، " قد أكلت برقية حق " (2) .
الرُّقْيَةُ مِن الأدويةِ الَّتِي حَثَّ عليها النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي هذا الحديثِ يُخبِر عِلَاقَةُ بنُ صُحَارٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّه أتَى رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأَسْلَمَ، ثُمَّ أَقبَلَ راجِعًا مِن عندِه"، أي: إلى قَبِيلتِه الَّتِي أتَى منها للنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "فمَرَّ على قومٍ عندَهم رَجُلٌ مجنونٌ مُوثَقٌ بالحديدِ، فقال أهلُه لِعِلَاقَةَ: إنَّا حُدِّثْنا أنَّ صاحِبَكم هذا" يُشِيرُونَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "قد جاء بِخَيْرٍ"، أي: أنَّ ما جاء به مِن الإسلامِ فيه خيرٌ؛ "فهل عندَك شيءٌ تُداوِيه؟"، أي: هل فيما جاء به نبيُّكم شيءٌ تُداوِي به هذا الرَّجُلَ المجنونَ؟ قال عِلَاقَةُ: "فرَقَيْتُه بفاتحةِ الكِتابِ"، أي: قرأتُ عليه سُورةَ الفاتحةِ، والرُّقيَةُ: ما يُتَعَوَّذُ به مِن القراءةِ، "فبَرَأَ"، أي: شُفِيَ مِن الجُنونِ الَّذِي كان به.
قال: "فأَعْطَوْنِي، مِئَةَ شاةٍ"، أي: مكافأةً، "فأتيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبرتُه، فقال: هل إلَّا هذا؟"، أي: هل قرأتَ بغيرِ الفاتحةِ؟"وقال مُسَدَّدٌ" وهو ابنُ مُسَرْهَدٍ، أحدُ الرُّواةِ "في موضعٍ آخَرَ"، أي: في روايةٍ أُخرَى: "هل قُلتَ غيرَ هذا؟" فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتحرَّى بهذا السؤالِ عمَّا إذا كان قد أدخَلَ في رُقيَتِه ما يُخالِف الدِّينَ، قال عِلَاقَةُ: "لا"، قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "خُذهَا"، أي: الشِّياهَ المِئَةَ، "فَلَعَمْرِي"، أي: لَحَياتِي، وهو مِن باب التَّأكِيدِ لكلامِه لا لِلْقَسَمِ، "لَمَن أكَل بِرُقيَةِ باطلٍ"، أي: كالَّذِي يَرقِي بالجِنِّ أو الكواكبِ، "لقد أَكَلْتَ بِرُقيَةِ حقٍّ"، أي: إنَّ الَّذِي أخذتَه كان على رُقيَتِك الَّتِي كانت بكلامِ الله عزَّ وجلَّ، وهو أحقُّ أن يُتداوَى به، وهذا أَوْلَى مِمَّنْ أخَذَ وأكَلَ برُقيَةٍ تُخالِفُ شَرْعَ الله عزَّ وجلَّ؛ فعليه الإثمُ والوِزرُ.