باب ما ينفع الميت من قول غيره

وروينا في " صحيحي البخاري ومسلم " عن أنس رضي الله عنه، قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وجبت "، ثم مروا بأخرى، فأثنوا عليها شرا، فقال: " وجبت "، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: " هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض ".
وفي هذا الحديث يروي أنس بن مالك رضي الله عنه أنه لما مرت جنازة محمولة إلى دفنها -والجنازة اسم للميت في النعش- فأثنى عليها الصحابة رضوان الله عليهم خيرا، وذكروا الميت بأوصاف حميدة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وجبت» فثبتت له الجنة، ثم مرت جنازة أخرى، فأثنوا عليها شرا، يعني وصفوها بما فيه ذم وانتقاص، وما كان يشتهر منه بأوصاف وأخلاق ذميمة، فقال صلى الله عليه وسلم: «وجبت» يعني: وجب له العذاب أو العقوبة التي يستحقها بما شهدتم عليه، فسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا أثنيتم عليه خيرا، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض»، فيقبل قولكم في حق من تشهدون له أو عليه
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة أصحابه لأحد بالجنة أو النار دليلا على وجوبها، ومعنى وجوب الجنة لأحد ثبوتها له؛ إذ الثبوت هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب، والأصل أنه لا يجب على الله شيء، بل الثواب فضله، والعقاب عدله، لا يسأل عما يفعل، على أن هذا الثناء بالخير أو الشر لمن أثنى عليه الناس فكان ثناؤهم مطابقا لأفعال من أثنوا عليه، فإن لم يكن كذلك فليس هو مرادا بالحديث. وقد قيل: إن المخاطبين بذلك هم الصحابة، ومن كان على صفتهم من الإيمان؛ لأنهم ينطقون بالحكمة، ويختص ذلك بالثقات والمتقين
وفي الحديث: أن المسلمين إذا شهدوا بالخير للميت، فقد أثبتوا له الحق بالجنة.
وفيه: التنبيه على الإحسان إلى الناس، وإظهار الخير للمسلمين، وعدم إظهار السوء.