حديث أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم 10

مسند احمد

حديث أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم 10

حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس، عن أسامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفة ورديفه أسامة، فجعل يكبح راحلته حتى أن ذفراها لتكاد أن تمس، وربما قال حماد: أن تصيب، قادمة الرحل، وهو يقول: «يا أيها الناس، عليكم بالسكينة والوقار، فإن البر ليس في إيضاع الإبل»

السَّكينةُ والوَقارُ، والتَّوسُّطُ، وعَدَمُ الغُلُوِّ مِنَ الصِّفاتِ الحَميدةِ التي حَثَّ عليها الشَّرعُ، خُصوصًا في العِباداتِ ومَواطِنِ الزِّحامِ، كالحَجِّ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أُسامةُ بنُ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه رَدِفَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أيْ: رَكِبَ خَلفَه على دابَّتِه، وذلك في حَجَّةِ الوَداعِ في السَّنةِ العاشِرةِ مِنَ الهِجرةِ، وفي عَشيَّةِ عَرَفةَ، وهو مَساءُ يَومِ عَرَفةَ، وهو يَومُ التاسِعِ مِن ذي الحِجَّةِ، وكان سَيرُهم نَحوَ المُزدَلِفةِ، فلَمَّا وَقَعتِ الشَّمسُ، وهو كِنايةٌ عنِ اكتِمالِ غُروبِها، دَفَعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَحَرَّكَ لِلسَّيرِ، قال أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنه: "فلَمَّا سَمِعَ حَطمةَ الناسِ خَلفَه"، أي: سَمِعَ صَوتَ ازدِحامِهم؛ نَتيجةَ الإسراعِ في السَّيرِ، أمَرَهم بالهُدوءِ والسَّكينةِ، وقال: "فإنَّ البِرَّ ليس بالإيضاعِ" وهو حَملُ الدَّابَّةِ على إسراعِها في السَّيرِ، والمَعنى: فليسَتْ طاعةُ اللهِ في سُرعةِ السَّيرِ. قال أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنه: "فكانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا التَحَمَ عليه الناسُ" اقتَرَبوا منه، وقَلَّتْ مَسافاتُ السَّيرِ بَينَهم، "أعنَقَ" مِنَ العَنَقِ، وهو: السَّيرُ اليَسيرُ الذي تَمُدُّ فيه الدَّابَّةُ عُنُقَها؛ لِلاستِعانةِ، وهو دُونَ الإسراعِ، "وإذا وَجَدَ فُرجةً نَصَّ"، أي: رَفَعَ في سَيرِه وأسرَعَ، والنَّصُّ مُنتَهى الغايةِ في كُلِّ شَيءٍ، "حتى مَرَّ بالشِّعبِ الذي يَزعُمُ كَثيرٌ مِنَ الناسِ أنَّه صَلَّى فيه" والشِّعبُ: الطَّريقُ بَينَ الجَبَلَيْنِ، والمُرادُ به هنا: مَكانٌ قَريبٌ مِنَ المُزدَلِفةِ، فنَزَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا المَكانَ، فبالَ به، قال عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ الرَّاوي عن أُسامةَ رَضيَ اللهُ عنه: "ما يَقولُ: أهراقَ الماءَ كما تَقولونَ"، والمَعنى أنَّ عُروةَ يُخبِرُ أنَّ أُسامةَ قال: فبالَ، بلَفظِ البَولِ، وما كَنَّى عنه كما يَقولُ الناسُ في البَولِ: أهراقَ الماءَ. قال أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنه: ثم جاءَه أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنه بإناءٍ فيه ماءُ الوُضوءِ، فتَوضَّأ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثم استَفهَمَ أُسامةُ رَضيَ اللهُ عنه مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الصَّلاةِ، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الصَّلاةُ أمامَكَ"، أي: مَشروعةٌ فيما بَينَ يَدَيْكَ، أيْ: في المُزدَلِفةِ، ثم رَكِبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ناقَتَه وما صَلَّى في المَكانِ الذي بالَ وتَوَضَّأ فيه، وهذا رَدٌّ على مَن زَعَمَ أنَّه صَلَّى في هذا المَكانِ، "حتى أتى المُزدَلِفةَ" وتُسَمَّى جَمعًا، مَكانٌ بمَكَّةَ بَينَ وادي مُحَسِّرٍ والمَأْزِمَيْنِ، وهو أحَدُ المَشاعِرِ التي يَنزِلُها الحُجَّاجُ، يَنحَدِرونَ إليها مِن عَرَفةَ لَيلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، فنَزَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فجَمَعَ بَينَ الصَّلاتَيْنِ: المَغرِبِ، والعِشاءِ الآخِرةِ، مع قَصرِ العِشاءِ إلى رَكعَتَيْنِ
وفي الحَديثِ: أنْ تُؤَدَّى الرِّوايةُ بحُروفِها
وفيه: استِعمالُ صَريحِ الألفاظِ التي قد تُستَبشَعُ، ولا يُكَنَّى عنها، إذا دَعَتْه الحاجةُ إلى التَّصريحِ