ذكر البيان بأن الفرض الذي جعله الله جل وعلا نفلا جائز أن يفرض ثانيا فيكون ذلك الفعل الذي كان فرضا في البداية فرضا ثانيا في النهاية14
صحيح ابن حبان

أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي بمنبج قال حدثنا سعيد بن حفص النفيلي قال قرأنا على معقل بن عبيد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة في رمضان فصلى في المسجد فصلى رجال وراءه بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا بذلك فاجتمع أكثرهم منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية فصلوا بصلاته فأصبح الناس فتحدثوا بذلك فاجتمع أهل المسجد ليلة الثالثة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلوا بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا لصلاة الفجر فلما قضيت صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: "أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتقعدوا عنها".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغبهم في قيام شهر رمضان من غير أن يأمرهم بقضاء أمر فيه يقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر رضوان الله عليهم أجمعين1. [1:5]
كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمؤمنينَ رَؤوفًا رَحيمًا، وهذا الحديثُ يُوضِّحُ جانبًا مِن شفَقتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أُمَّتِه، وهو خَشيتُه أنْ تُفْرَضَ صَلاةُ اللَّيلِ ثمَّ يَعجِزَ الناسُ عنها، وفيه تُخبِرُ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَجَ ذاتَ لَيلةٍ بعْدَ مُنتصَفِ اللَّيلِ، «فصَلَّى في المسجِدِ، فصَلَّى رِجالٌ بصَلاتِهِ»، فصَلَّوا معه مَأمومِينَ، فأصبَحَ الناسُ فتَحدَّثوا فيما بيْنَهم عن صَلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ باللَّيلِ في المسجدِ، فاجتمَعَ أكثرُ منهم مُنتظِرينَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فصَلَّوا معه، وكثُروا لَيْلةً بعْدَ أُخرى، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَرى ويَعلَمُ هذا، فلمَّا كانتِ اللَّيلةُ الرابعةُ، امتلَأَ المسجِدُ عن آخِرِه حتَّى ضاقَ بالمصَلِّينَ، فلمْ يَخرُجِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِلصَّلاةِ معهم في اللَّيلِ، بلِ انتَظَر حتَّى خرَجَ لصَلاةِ الصُّبحِ، فلمَّا قَضَى الفَجرَ استقبَلَ الناسَ بوجْهِه واستدارَ لهم، فتَشهَّدَ بشَهادةِ التَّوحيدِ، ثمَّ قال للنَّاسِ موَضِّحًا ومُعلِّمًا: «أمَّا بعدُ؛ فإنَّه لم يَخْفَ علَيَّ مكانُكُم، لكنِّي خَشيتُ أنْ تُفرَضَ عليكم، فتَعجِزوا عنها»، أيْ: إنِّي كنتُ أعلَمُ بوُجودِكم في المسجدِ للصَّلاةِ معي في جَوفِ اللَّيلِ، ولكنَّني أخافُ أنْ يَفرِضَها اللهُ عليكم فتَكونَ ثَقيلةً فتَعجِزوا عنها وتَترُكوها، فيَكونَ في ذلك المشقَّةُ والضَّررُ مع الإثمِ والمَعصيةِ.