‌‌‌‌ذكر البيان بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بن عمر بطلاقها طاعة لأبيه155

صحيح ابن حبان

‌‌‌‌ذكر البيان بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بن عمر بطلاقها طاعة لأبيه155

أخبرنا الصوفي حدثنا علي بن الجعد أنبأنا بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال كانت تحتي امرأة وكنت أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني بطلاقها فأبيت فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا عبد الله طلقها" 1. [1: 2]

طاعةُ الوالدَينِ في المَعروفِ مِن أعظَمِ الأعمالِ الصَّالحةِ، خُصوصًا إذا كان الوالدانِ مِن أهلِ الفَضلِ والدِّرايةِ والتَّزكيةِ مِن اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وما يَراه أحَدُهم مَصلحةً لأولادِه ليسَ فيه هَوًى ولا زَيغٌ عن الحَقِّ، كَأميرِ المُؤمِنينَ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه.

وفي هذا الحَديثِ يَقولُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهما: كانت تَحتي امرَأةٌ، وهذا كِنايةٌ عن زَوجَتِه، وكُنتُ أُحِبُّها، وكان عُمَرُ يَكرَهُها، أي: كان أبي عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَكرَهُها، ولعَلَّه يَكرَهُها لنُقصانٍ في دينِها، أو في أمرٍ يَراه، ولا يَراه عَبدُ اللَّهِ لحُبِّه لها، فأمَرَني بطَلاقِها، أي: أمرَه عُمَرُ بطَلاقِ زَوجَتِه، والظَّاهِرُ أنَّ عِلَّةَ أمرِه بطَلاقِها عِلَّةٌ دينيَّةٌ، أو خَشيَ أن تَجُرَّه إلى ضَرَرٍ في دينِه، ومَعروفٌ أنَّ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه هو المُحَدَّثُ المُلهَمُ الموفَّقُ المُسَدَّدُ، قال عَبدُ اللَّهِ: فأبَيتُ، أي: رَفضتُ طَلاقَها؛ لِما له مِن رَغبةٍ وحُبِّ لتلك المَرأةِ. فذَكَر ذلك عُمَرُ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: امتِناعَ ابنِه عن موافقَتِه في طَلاقِها، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عَبدَ اللهِ، طَلِّقْها، فأقَرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأيَ عُمَرَ؛ لأنَّه كان يَعلمُ صِدقَ نيَّتِه، فأمَر عَبدَ اللَّهِ أنَّ يُطَلِّقَ هذه المَرأةَ طاعةً لوالدِه، فطَلَّقَها عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، وقد جاءَ في رِوايةٍ أُخرى: فطَلَّقتُها، أي: امتِثالًا لأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإرضاءً لوالدِه.
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ طاعةِ الوالدِ في طَلاقِ الزَّوجةِ إذا كان الوالدُ مِن الأولياءِ والصَّالحينَ.
وفيه أنَّ الابنَ إذا لم يُطاوِعْ أباه فيما يَأمُرُه به استَعانَ عليه بالحاكِمِ، أو بأحَدٍ مِن أكابرِ البَلَدِ.