‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 261

مسند احمد

‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 261

حدثنا عبد الله، حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، وسفيان بن وكيع بن الجراح، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن المنهال بن عمرو، عن نعيم بن دجاجة الأسدي، قال: كنت عند علي، فدخل عليه أبو مسعود، فقال له: يا فروخ، أنت القائل: لا يأتي على الناس مائة سنة، وعلى الأرض عين تطرف أخطت استك الحفرة؟ إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يأتي على الناس مائة سنة، وعلى الأرض عين تطرف ممن هو اليوم حي، وإنما رخاء هذه وفرجها بعد المائة "

 الحَياةُ الدُّنيا لا يَعلمُ كَم بَقيَ منها إلَّا اللهُ تعالى، وكُلُّ مَن حَدَّدَ مُدَّةً مُعَيَّنةً فقد أخطَأ في ذلك، وتَكَلَّف ما ليس له به عِلمٌ

وقد فهمَ بَعضُ الصَّحابةِ قَولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَأتي على النَّاسِ مِائةُ سَنةٍ وعلى وَجهِ الأرضِ أحَدٌ)) أنَّ هذا دَليلٌ لقُربِ انقِضاءِ أيَّامِ الدُّنيا، وقد رَدَّ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه على مَن فهمَ هذا الفهمَ؛ فعن نُعَيمِ بنِ دِجاجةَ الأسَديِّ، وهو من كِبارِ التَّابعينَ مِمَّن سَمِعَ من عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: كُنتُ عِندَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فدَخل عليه أبو مَسعودٍ، وهو عُقبةُ بنُ عَمرٍو البَدريُّ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال عليٌّ لأبي مَسعودٍ: يا فَرُّوخُ، وهو اسمٌ لأبي العَجَمِ، فكأنَّه نَسَبَه إلى أنَّه أعجَميٌّ قَليلُ الفَهمِ؛ لأنَّ أبا مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه كان يَقولُ: لا يَأتي على النَّاسِ مِئةُ سَنةٍ، وعلى الأرضِ عَينٌ تَطرِفُ، أي: تَتَحَرَّكُ، والمَقصودُ: وعلى الأرضِ حَيٌّ، وأنَّ ذلك دَليلٌ على فَناءِ النَّاسِ جميعًا، وفي فَنائِهم ذَهابُ الدُّنيا، فرَدَّ عليه عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه وقال له: أخَطَتِ اسْتُك -وهي حَلقةُ الدُّبُرِ- الحُفرةَ؟ أي: عَدَلَت مَحَلَّها، والمُرادُ: أنَّه خَطأٌ في غَيرِ مَحَلِّه كخَطَأِ الإنسانِ في مَحَلِّ القُعودِ لقَضاءِ حاجَتِه، ثمَّ بَيَّنَ له مَعنى الحَديثِ بأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما قال: لا يَأتي على النَّاسِ مِئةُ سَنةٍ وعلى الأرضِ عَينٌ تَطرِفُ، أي: تَتَحَرَّكُ، وأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما قَصَدَ بكَلامِه ذلك مَن هو يَومَئِذٍ حَيٌّ على الأرضِ منَ النَّاسِ لا لمَن سِواهم، وليس أنَّ الدُّنيا ستَنقَضي، وفَناءُ ذلك القَرنِ لا يَعني أنَّه لا يَخلُفُهم قُرونٌ بَعضُها بَعدَ بَعضٍ إلى يَومِ القيامةِ، ثمَّ بَيَّن عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَخاءَ هذه الأمَّةِ وفَرَجَها يَكونُ بَعدَ مِائةِ سَنةٍ، وذلك بكَثرةِ الفُتوحِ والغَنائِمِ

وفي الحَديثِ الإنكارُ على مَن فهمَ فَهمًا خاطئًا

وفيه أنَّ بَعضَ الصَّحابةِ قد يُشكِلُ عليه فهمُ بَعضِ الأحاديثِ

وفيه أنَّ الخِلافَ واقِعٌ بَينَ الصَّحابةِ

وفيه فِقهُ وفَهمُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه

 وفيه أنَّ عِلمَ كَم بَقيَ منَ الدُّنيا غَيرُ مَعروفٍ

وفيه أنَّ رَخاءَ هذه الأمَّةِ كان بَعدَ المِائةِ الأولى