باب الأذكار في الاستسقاء

باب الأذكار في الاستسقاء

وروينا فيه بإسناد صحيح (2) قال أبو داود في آخره: هذا إسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: " شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر صلى الله عليه وسلم، فكبر وحمد الله عز وجل، ثم قال: " إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله سبحانه أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين "، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله عز وجل سحابة، فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى الكن (3) ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدات نواجذه، فقال: " أشهد أن الله على كل شئ قدير، وأني عبد الله ورسوله ".

افترى النصارى على الله الكذب، وادعوا أن له ولدا، وهو من أقبح ما قيل في حقه سبحانه؛ ولذلك فإن الإيمان لا يستقيم لأحد حتى يقر بوحدانية الله تعالى، وأنه منزه عن كل نقص وعيب؛ فهو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد
وفي هذا الحديث تعريض بالنصارى في ادعائهم على الله الولد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فأقر بقلبه ولسانه ألا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى، ولا ند ولا شريك له في ملكه، وشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، أرسله الله عز وجل مبشرا ونذيرا، وختم به النبوة والرسالات
وشهد أن نبي الله عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ليس بإله ولا ابن إله، وإنما هو عبد من عباد الله، أرسله الله لهداية البشر كإخوانه الأنبياء، ومعنى قوله: «وكلمته»: أنه خلق بقوله تعالى: «كن»، وقيل: إن هذا إشارة إلى أنه حجة الله على عباده، أبدعه من غير أب، وأنطقه في غير أوانه، وأحيا الموتى على يده، وقيل: لأنه قال في صغره: إني عبد الله. ومعنى قوله: «وروح منه»، أي: أنه مخلوق من روح مخلوقة له سبحانه، فالله خالقها ومبدعها، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف؛ كما قال سبحانه: {وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه} [الجاثية: 13]، أي: من خلقه ومن عنده، وتسميته عليه السلام بالروح؛ لأنه وجد من غير أب، فأحياه الله تعالى من غير الأسباب المعتادة.
وكذا أقر وآمن بأن الجنة حق، والنار حق، معتقدا وجودهما، وهما نعيم الله وعذابه لعباده؛ فمن فعل هذا أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، والمعنى: أن من شهد بهذا كله، كانت تلك الشهادات والاعتقادات سببا في أن يدخله الله الجنة؛ لأيمانه بها. وفي رواية: أنه سبحانه يخيره في دخولها من أي باب من أبوابها الثمانية، وهذا من عظيم الأجر والمن من الله عز وجل على عباده المؤمنين.
وفي الحديث: دليل على أن العصاة من المسلمين لا يخلدون في النار.