باب ما يقوله من بلي بالوسوسة

باب ما يقوله من بلي بالوسوسة

وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من وجد من هذا الوسواس شيئا فليقل: آمنا بالله وبرسله ثلاثا.
فإن ذلك يذهب عنه ".

الإيمان بالله سبحانه يتطلب قلبا واعيا، وتسليما وانقيادا كاملا لله سبحانه؛ لأن كثيرا من الأمور الغيبية وغيرها لا يمكن للعقل أن يدركها، وربما يتشكك الإنسان ويعتريه الفكر السقيم، وهنا لا بد للمؤمن أن يرجع سريعا إلى إيمانه بالله وما قاله عن نفسه عز وجل
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «لا يزال الناس يتساءلون»، والمراد بالتساؤل هنا: حكاية النفس، وحديثها، ووسوستها، حتى يبلغ السؤال إلى أن «يقال: هذا خلق الله الخلق» كأن يتساءل: من خلق السماء؟ ومن خلق الأرض؟ ومن خلق الجبال؟ ومن خلق الإنسان؟ ويجيب الإنسان دينا وفطرة وعقلا بقوله: «الله»، وهذا جواب بدهي صحيح وحق وإيمان، ولكن الشيطان لا يقف عند هذا الحد من الأسئلة والوساوس، بل ينتقل من سؤال إلى سؤال، حتى يقول: «فمن خلق الله؟!» وهذا من التشكيك في الله سبحانه، وكأنه أراد أن يجري على الخالق سبحانه صفات المخلوقات، وأنه لا بد له من خالق وموجد أعلى منه، تعالى الله عما يوسوس به الشيطان علوا كبيرا، وفي عصرنا الحاضر وقعت مثل هذه الأسئلة كثيرا، وهي مشاهدة ومسموعة للجميع، وهذه أسئلة يلقيها الشيطان؛ ليشكك المؤمن في عقيدته ودينه. فإذا قال الناس ذلك فموقف المؤمن أن يعود إلى الله، وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن من صادف شيئا من ذلك القول والسؤال، أو وجد في خاطره شيئا من جنس ذلك الحديث، «فليقل: آمنت بالله ورسله»، أي: آمنت بالذي قاله الله تعالى ورسله عليهم السلام؛ من وصفه تعالى بالتوحيد والقدم، وأن قوله سبحانه وإجماع الرسل هو الصدق والحق؛ فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
وفي رواية: «يأتي الشيطان أحدكم»، أي: يوسوس إبليس، أو أحد أعوانه، من شياطين الإنس والجن، في صدر المرء، والشيطان: هو أعدى أعداء البشر على الإطلاق؛ إذ لا هم ولا عمل له أبدا إلا غواية الإنسان، وإضلاله، حتى يهلك؛ فيوسوس إليه بشتى الوساوس، ويأتيه من كل طريق وشبهة، وهمه الأول أن يأتيه من جهة العقيدة؛ لأنها أساس الدين والإيمان، وعليها تتوقف نجاة الإنسان، وسعادته في الدار الآخرة، فيبعث في نفسه الشبهات حولها، ويثير فيه التساؤلات الكثيرة عن حدوث الأشياء، ومن أحدثها، فيقول: «من خلق السماء؟ من خلق الأرض»، وغرضه أن يوقعه في الغلط والكفر.
وفي الحديث: الاستعانة بالله على قطع وساوس الشيطان.
وفيه: الحث على دفع الخواطر غير المستقرة بالإعراض عنها، والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، وهذا من أعظم أسباب السلامة.