باب الحث على سور وآيات مخصوصة 6

بطاقات دعوية

باب الحث على سور وآيات مخصوصة 6

وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟ {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس}». رواه مسلم. (1)

ما أعظم الدين الإسلامي! وما أعظم ما فيه من البشريات الكثيرة التي أعطاها الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؛ فإنه سبحانه أنزل عليه الذكر من القرآن، وجعل ثواب قراءته عظيما، فجعل بكل حرف حسنة، والحسنات تضاعف، وخص سبحانه بعض السور والآيات بفضل زائد لمن قرأها؛ حضا على قراءتها، وترغيبا فيها
وفي هذا الحديث يخبر عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط؟!» وهو استفهام تعجبي، يتعجب النبي صلى الله عليه وسلم من عظم فضل هذه الآيات التي لم ينزل عليه سور بمثل ما فيها من المعاني والبركات، ثم أوضح هذه الآيات وأنها سورتا: «{قل أعوذ برب الفلق}، و{قل أعوذ برب الناس}»، وهما المعوذتان؛ ففيهما ذكر التعوذ والالتجاء وطلب الحماية من الله رب الخلق ورب الناس، وقد استعاذ بهما النبي صلى الله عليه وسلم ورقى نفسه
وسورة الفلق هي قول الله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق * من شر ما خلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد}، والمعنى: قل -أيها الرسول-: أعتصم برب الصبح، وتبدأ السورة بوصف المستعاذ به برب الفلق؛ لأن هذا الوقت وقت فيضان الأنوار، ونزول الخيرات والبركات، فأستجير بهذا الرب الذي هذا وصفه من شر ما يؤذي من المخلوقات، وخص المستعاذ منه بما خلق، فابتدأ بالعام من قوله: {من شر ما خلق}، أي: من شر خلقه، وشر ما يفعله المكلفون من المعاصي، ومضارة بعضهم بعضا، وما يفعله غير المكلفين من الحيوان، كالسباع والحشرات؛ من الأكل، والنهش، واللدغ، والعض، وما وضعه الله تعالى في غير الحيوان من أنواع الضرر، كالإحراق في النار، والقتل في السم
ثم ثنى بالعطف عليه ما هو شره أخفى من الزمان، ما هو نقيض انفلاق الصبح من دخول الظلام، بقوله: {ومن شر غاسق إذا وقب}؛ لأن انبثاث الشر فيه أكثر، والتحرز منه أصعب
وخص ما يمكن في الزمان بما غائلته خفية من النفاثات والحاسد، وقيد الحاسد بـ{إذا حسد}؛ لأن الحاسد إذا أظهر حسده، كان شره أتم، وضره أكمل. وقد جمع الله الشرور في هذه السورة وختمها بالحسد؛ ليعلم أنه أخس الطبائع
وسورة الناس هي قول الله تعالى: {قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس} [الناس: 1 - 6]، والمعنى: قل أيها الرسول: أعتصم برب الناس، وأستجير به، ملك الناس، يتصرف فيهم بما يشاء، لا ملك لهم غيره، لا معبود لهم بحق غيره، فأستعيذ به من شر الشيطان الذي يلقي وسوسته إلى الإنسان إذا غفل عن ذكر الله، ويتأخر عنه إذا ذكره، ويلقي بوسوسته إلى قلوب الناس، وهذا الموسوس يكون من الإنس كما يكون من الجن
وفي الحديث: بيان عظيم شأن المعوذتين.
وفيه: بيان أنه لا يوجد في القرآن مثل المعوذتين، من حيث المعاني، والبركة، والتعوذ بهما.