"‌‌باب" قول أنس بن مالك: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط...."202

السنة لابن ابي عاصم

"‌‌باب" قول أنس بن مالك: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط...."202

ثنا أبو كامل الفضيل بن حسين ثنا جعفر بن سليمان الضبعي ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أف قط. أو قال: ولا قال لشيء قط صنعته: لم صنعته؟ ولا قال لشيء تركته لم تركته؟ وكان أحسن الناس خلقا صلى الله عليه وسلم

ضرَبَ لنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَرْوَعَ الأمْثِلَةِ في حُسْنِ مُعامَلةِ المَوالي والخَدَمِ. وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا قَدِمَ المدينةَ لم يكُنْ عندَه خادمٌ يَخدُمُه، فأخَذَ أبو طَلْحَةَ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه رَبيبَه أنسَ بنَ مالكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقال له: «إنَّ أَنَسًا غُلامٌ كَيِّسٌ» عاقِلٌ ذَكيٌّ، فاجْعَلْه خادِمًا لك، فقَبِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَسًا خادمًا له.

 ويُخبِرُ أَنَسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه خدَمَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أحوالِه كلِّها؛ في السَّفَرِ والحَضَرِ، فما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأنسٍ لشَيءٍ صَنَعه: لِمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشَيءٍ لم يَصنَعْه: لِمَ لَمْ تصنَعْه هكذا؟ فما وبَّخَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على شَيءٍ لم يَفعَلْه ولم يَنتقِصْ مِن قَدْرِه، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «ما قال لي: أُفٍّ، قَطُّ» و«أُفٍّ» صَوْتٌ يَدُلُّ على التَّضجُّرِ، وذلك لِحُسنِ خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَأْفتِه وصَبْرِهِ، وحُسْنِ عِشْرَتِهِ.

وفي الحديثِ: خُلُقٌ عظيمٌ مِن جَميلِ أخلاقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو رَأْفَتُه ورَحمتُه بخادِمِه، وقد علَّم الدُّنيا الرَّحمةَ والشَّفَقَةَ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

 وفيه: تَطْييبُ خاطِرِ الخادِمِ بتَرْكِ مُعاتَبَتِهِ، وهذا في الأُمورِ المُتعلِّقةِ بالدُّنْيا.

وفيه: حُسْنُ الخُلُقِ في التَّعامُلِ مع مَنْ هم أَقَلُّ منَّا.