"‌‌باب قي قوله عليه السلام: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله بأسماء أهل الجنة" "198

السنة لابن ابي عاصم

"‌‌باب قي قوله عليه السلام: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله بأسماء أهل الجنة" "198

حدثنا علي بن ميمون حدثنا عبد الله بن خالد عن عبد الله بن يزيد قال: سمعت أبا الدرداء يقول:
"إن الله تعالى خلق خلقا للنار وخلق خلقا للجنة فقال هؤلاء إلى النار وهؤلاء إلي الجنة ولا أبالي"

مِن أرْكانِ الإيمانِ أنْ يُؤمِنَ العَبدُ بقَضاءِ اللهِ تَعالى وقَدَرِهِ، وأنْ يَعلَمَ أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتَعالى خَلَقَهُ، وخَلَقَ ما يَفعَلُهُ وكتَبَه، وجعَلَ للعَبدِ إرادةً ومَشيئةً تابِعةً لإرادةِ اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالى ومَشيئَتِهِ، وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خلَقَ آدَمَ، ثُمَّ أخَذَ الخَلْقَ من ظَهْرِهِ"، فأخرَجَ بعِلْمِهِ مِن صُلبِ آدَمَ وظَهرِهِ ما سيَكونُ مِن ذُرِّيَّتِهِ وقَسَمَهم، وقالَ سُبْحانَهُ: "هؤلاءِ إلى الجَنَّةِ"؛ فهُم مِن أهْلِ الجَنَّةِ الَّذين عَلِمَ اللهُ سُبحانَه أنَّهم سيَعمَلونَ بعَمَلِها، "ولا أُبالي" ولا أهتَمُّ ولا أحتَفِلُ بأمْرٍ آخَرَ، وفي عَدَمِ مُبالاتِه مَعْنَى قَولِهِ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء: 23]، "وهؤلاءِ إلى النَّارِ ولا أُبالي"، أي: إنَّه سُبْحانَهُ قالَ بعِلْمِه أنَّهم سيَعمَلونَ عَمَلَ أهْلِ النَّارِ فيكونونَ منها. "فقالَ قائِلٌ: يا رسولَ اللهِ، فعَلى ماذا نَعمَلُ؟" والمُرادُ فماذا يَعْمَلُ النَّاسُ وقد قَدَّرَ اللهُ مَصيرَهم سَلَفًا؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "على مَواقِعِ القَدَرِ"، وقد بيَّنَتْ رِوايةُ أبي داودَ مَعْنى مَواقِعِ القَدَرِ حيثُ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: " إذا خلَقَ العَبدَ للجَنَّةِ استَعمَلَهُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتَّى يَموتَ على عَمَلٍ مِن أعْمالِ أهْلِ الجَنَّةِ فيُدخِلَه به الجَنَّةَ، وإذا خلَقَ العَبدَ للنَّارِ استَعمَلَهُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حتَّى يَموتَ على عَمَلٍ من أعْمالِ أهْلِ النَّارِ فيُدخِلَه به النَّارَ"؛ فالحقُّ سُبْحانَهُ هيَّأَ الخَيرَ لأصْحابِ السَّعادةِ، وهيَّأَ لهم أسْبابَها، وهيَّأ َالشَّرَّ لأصْحابِ الشَّقاءِ، وهيَّأَ لهم أسْبابَها؛ وذلِكَ لأنَّ الخَيرَ والشَّرَّ أوضَحَهُ اللهُ للجَميعِ، فكُلٌّ يَعمَلُ على بَصيرةٍ، ويَختارُ ما يُريدُ، فمَنِ اخْتارَ عمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وفَّقَه اللهُ لذلِكَ، ثُمَّ أدخَلَهُ الجَنَّةَ، وهو يَعلَمُ أزَلًا أنَّه مِن أهْلِها، وكذلِكَ مَنِ اخْتارَ لنَفْسِهِ عمَلَ أهْلِ النَّارِ تَرَكهُ اللهُ حتَّى يُدخِلَه النَّارَ يومَ القيامةِ، وهو سُبْحانَه يَعلَمُ أزَلًا أنَّه سيَعمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ.

 وفي الحَديثِ: ثُبوتُ قَدَرِ اللهِ السَّابقِ لِخَلقِهِ، وهو عِلمُهُ بالأشياءِ قَبلَ كَونِها، وكِتابَتُه لها قَبلَ بَرْئِها.

 وفيهِ: أنَّ كُلًّا مُيسَّرٌ لِما خُلِقَ له، مِن سعادةٍ أو شَقاوةٍ .