"باب: القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم"197
السنة لابن ابي عاصم

ثنا عبد الأعلى بن حمادثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت زيادا أبا الحسن حدثني جعفر ابن الحارث عن يزيد بن ميسرة عن عطاء الخراساني عن مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن لكل أمة مجوسا وإن مجوس هذه الأمة القدرية فلا تعودوهم إذا مرضوا ولا تصلوا على جنائزهم إذا ماتوا"
القَدَرِيَّةُ قَومٌ أثْبَتُوا للعبدِ قدرةً تُوجِد الفِعلَ بانفرادِها دونَ الله تعالى، ونفَوْا أن تكونَ الأشياءُ بقَدَر اللهِ وقَضائِه، وفي هذا الحديثِ حذَّر النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُمَّتَه منْهم، فقال: (القَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هذِه الأُمَّةِ)، وإنَّمَا سمَّاهم مَجوسًا لأنَّهم أحدَثوا مذْهبًا يُضاهِي مذهَب المجُوسِ، فالمجوسُ تزعُم: أنَّ الخيْرَ مِن فِعْل النُّورِ، والشَّرَّ مِن فِعل الظُّلْمَة؛ وكذلك القدَريَّةُ ينْسِبُون الخيرَ إلى الله عزَّ وجلَّ، والشَّرَّ إلى غَيْرِه؛ وهو سبحانَه خَالِقٌ للخَيْرِ والشَّرِّ، ولا يكونُ شيءٌ منهما إلَّا بإرادَتِه، فالأَمْرَانِ معًا مُضافَان إليه خَلْقًا وإيجادًا، وإلى الفَاعِل مِن عِبادِه فِعْلًا واكْتِسَابًا. ثم بيَّن النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للمُسْلِم ما يفعَلُه تُجاهَهم، فقال: (إنْ مَرِضُوا فلا تَعُودُوهم)، أيْ: لا تَزُوروهم في مَرَضِهم، واهجُروهم لينْزَجِرُوا؛ لأنَّ هذا يَستوْجِب الدُّعاءَ لهم بالصِّحَّةِ، فنَهَى عن هذا، (وإن ماتُوا فلا تَشْهَدُوهم)، أي: لا تحضُرُوا جِنازَتهم، ولا تُصلُّوا عليهم؛ لأنَّ هذا يَتطلَّبُ الدُّعاءَ لهم بالمغفرةِ، وخَصَّ هاتين الخَصْلتيْن لأنَّهما مِن أَوْلى الحقوقِ؛ فيكونُ النهيُ والتغليظُ فيهما أبلغَ في المقصودِ. .