"باب" حديث "إن فيك لخلتين يحبهما الله … "106
السنة لابن ابي عاصم

ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا إسماعيل بن علية عن يونس يعني ابن عبيد عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة قال: قال لي أشج بني عصر: قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن فيك لخلتين يحبهما الله عز وجل" قال قلت: وما هما؟ قال: "الحلم والحياء" قال: قلت: قديما كانتا في أم حديثا؟ قال: "قديما" قال: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله عز وجل.
إسناده صحيح على شرط الشيخين إلى أشج بني عصر وهو صحابي نزل البصرة ومات بها ويقال: أشج عبد القيس واسمه المنذر بن عائذ بن المنذر
كان الصَّحابةُ يُحِبُّونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويُعظِّمونَه، ويتَحيَّنون فُرَصَ لَمْسِ يَدِه أو جِلْدِه، بالتَّسليمِ عليه أو تقبيلِه، ومِنْ ذلك أنَّ وَفْدَ عَبدِ القيسِ لَمَّا قَدِموا المدينةَ مُسلِمينَ، قبَّلوا يدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورِجْلَه، وكان مِنْهم زَارعُ بنُ عامرِ بنِ عبدِ القيسِ الَّذي روَى هذا الحَديثَ، فقال: "لَمَّا قَدِمْنا المدينةَ، فجعَلْنا نَتبادَرُ مِنْ رَواحِلِنا"، أي: لَمَّا جِئْنا إلى المدينةِ مُسْلمينَ، وصَلْنا عِنْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَتسارَعُ في النُّزولِ عن رِكابِنا مِن الإبلِ وغيرِها؛ ليَسْبِقَ بعضُنا بعضًا، "فنُقبِّلُ يَدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورِجْلَه"، أي: دونَ أنْ يُنْكِرَ علينا، وإقرارٌ مِنْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لفِعْلِهم.
قال زَارِعُ بنُ عامِرٍ: "وانْتَظَرَ المُنْذِرُ الأَشَجُّ"، أي: لَمْ يُسارِعْ كالَّذين سارَعوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان على رأسِ وَفْدِ عبدِ قيسٍ ومُقدِّمتِهم، "حتَّى أتى عَيْبَتَه"، أي: مُستودَعَ ثيابِه، "فلَبِس ثوبيه"، أي: مُسْتحسِنًا لأحسنِ ثيابِه وقيل: كانتْ بِيضًا، "ثُمَّ أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ فيكَ خُلَّتَينِ"، أي: خَصْلتَينَ، "يُحِبُّهما اللهُ، الحِلْمُ والأَناةُ"، والحِلْمُ: العَقْلُ، والأناةُ: التَّرفُّقُ وعَدَمُ التَّعجُّلِ، فقال المُنْذِرُ: "يا رسولَ اللهِ، أنا أَتخلَّقُ بِهما"، أي: أكْتَسِبُهما في حياتي، "أَمِ اللهُ جَبَلني علَيهِما؟"، أي: جَعَلَهُما اللهُ فِيَّ دونَ اكْتِسابٍ لهما وتَعوُّدٍ عليهِما، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "بَلِ اللهُ جَبَلَك عليهِما" ،فقال المُنْذِرُ: "الحمدُ للهِ الَّذي جَبَلَني على خُلَّتينِ يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه"، أي: شاكِرٌ للهِ عزَّ وجلَّ على ما جَعَلَ فيه مِنَ الصِّفاتِ الحميدةِ.
وفي الحديثِ: فضلُ خُلُقَي الحِلمِ والأناةِ.
وفيه: حمدُ الإنسانِ للهِ تعالى على ما جَبَلَه عليه مِن الأخلاقِ الحميدةِ.