"باب: في ذكر تجلي ربنا عز وجل للجبل عند كلامه لموسى عليه السلام"285
السنة لابن ابي عاصم

حدثنا أزهر بن مروان صاحب النوى ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس في قوله:
{فلما تجلى ربه للجبل} قال أشار إليه بيده أو قال بأصبعه فتعفر1 الجبل بعضه على بعض وخر موسى صقعا أي ميتا2
للهِ سبحانَه وتعالَى الجلالُ والكمالُ، والقُوَّةُ والعظَمةُ، وقد قال في كتابِه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51].
وفي هذا الحَديثِ يخبِرُ أنَسٌ رضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: قرَأ هذه الآيةَ: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143]، والتَّجلِّي هو الظُّهورُ للعيَانِ، وهذه الآيةُ مذكورةٌ في قِصَّةِ موسى عليه السَّلامُ حين طلَب أن يَرى ربَّه، فقال اللهُ: {قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143]، أي: تَجلَّى اللهُ تَجلِّيًا يَليقُ بجَلالِه وكَمالِه بالكيفيَّةِ الَّتي أرادها ولا نَعرِفُها، والتَّجلِّي مِن الصِّفاتِ الخبَريَّةِ الَّتي نُؤمِنُ بها دونَ تشبيهٍ أو تعطيلٍ أو تجسيمٍ. "قال حمَّادٌ"، أحَدُ رُواةِ الحديثِ: "هكذا"، أي: أشار إلى قدْرِ التَّجلِّي، "وأمسَك سُليمانُ بطرَفِ إبهامِه على أَنمُلَةِ إصبَعِه اليُمنى"، أي: فسَّر سليمانُ وهو الرَّاوي عن حمَّادٍ إشارتَه، والمرادُ: أنَّه ما تَجلَّى مِنه سبحانه وتعالَى إلَّا هذا القَدْرُ، "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فساخَ الجبَلُ"، أي: غاصَ الجبلُ وذهَب في الأرضِ، "وخرَّ موسى صَعِقًا"، أي: غُشِي عليه.
وفي الحديثِ: عِظَمُ اللهِ سبحانه وتعالى.
وفيه: إكرامُ اللهِ لنَبيِّه موسى عليه السَّلامُ.