"‌‌باب" ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن}175

السنة لابن ابي عاصم

"‌‌باب" ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن}175

ثنا هشام بن عمار ثنا الوزير بن صبيح حدثنا يونس بن ميسرة بن حلبس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في قوله تعالى: {كل يوم هو في شأن} . قال:
"في شأنه أن يغفر ذنبا ويكشف كربا ويجيب داعيا ويرفع قوما ويضع آخرين"

كُلُّ شَيءٍ خلقَهُ اللهُ مُقدَّرٌ كائِنٌ كما أرادَ سُبْحانَهُ وتَعالى؛ فما مِن شَيءٍ يَجْري في مَلَكوتِهِ إلَّا بِقَدَرِهِ وعِلمِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى.

وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "فرَغَ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى كُلِّ عَبدٍ من خَمسٍ"، بمَعْنى أنَّ قَدَرَهُ وقَضاءَهُ عزَّ وجلَّ قد نَفِذَ فيما يَتعلَّقُ بالمَخْلوقِ في هذه الخَمْسِ، الأوَّلُ: "من أجَلِهِ"، وهو عُمرُهُ ومَوعِدُ وَفاتِهِ، فلا يَزيدُ فيه ولا يَنقُصُ، والثَّاني: "ورِزْقِهِ"، وذلِكَ بتَقْديرِهِ قَليلًا أمْ كَثيرًا، "وأثَرِهِ"، وهو أثَرُ مَشْيِهِ في الأرْضِ، كما قالَ تَعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12]، "ومَضْجَعِهِ"، وهو سُكونُهُ وحَرَكتُهُ ومَحِلُّ مَوتِهِ ومَدفَنِهِ، وجمَعَ بيْنَ الأثَرِ والمَضْجَعِ لِيَشمَلَ جَميعَ أحْوالِهِ، "وشَقيٍّ أو سَعيدٍ"، وهو أنَّ كُلَّ إنسانٍ مَكتوبٌ أنَّه شَقيٌّ أو سَعيدٌ مِن الأزَلِ؛ فالأشقِياءُ هُمُ الَّذين كَفَروا باللهِ، وكَذَّبوا رُسُلَهُ، وعَصَوْا أمْرَهُ، والسُّعداءُ هُمُ المُؤمِنونَ المُتَّقونَ. والمُرادُ أنَّه تَعالى قد عَلِمَ ما يَختارُهُ العَبدُ لِنَفسِهِ مِنَ الشَّقاوةِ والسَّعادةِ؛ فالحَقُّ سُبْحانَهُ هيَّأَ الخيرَ لأصْحابِ السَّعادةِ، وهيَّأَ لهم أسْبابَها، وهيَّأَ الشَّرَّ لأصْحابِ الشَّقاءِ، وهيَّأَ لهم أسْبابَها؛ وذلِكَ لأنَّ الخَيرَ والشَّرَّ أوضَحَهُ اللهُ للجَميعِ، فكُلٌّ يَعمَلُ ويَخْتارُ ما يُريدُ، فمَنِ اخْتارَ عمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ وفَّقَهُ اللهُ لذلِكَ، ثُمَّ أدخَلَهُ الجَنَّةَ، وهو يَعْلَمُ أزَلًا أنَّه مِنْ أهْلِها، وكذلِكَ مَنِ اخْتارَ لِنَفْسِهِ عمَلَ أهْلِ النَّارِ تَرَكهُ اللهُ حتَّى يُدْخِلَه النَّارَ يومَ القيامةِ، وهو سُبْحانَه يَعْلَمُ أزَلًا أنَّه سيَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ النَّارِ.

 وهذا الحَديثُ إخْبارٌ عن سابِقيَّةِ عِلمِهِ تَعالى بأحْوالِ الإنسانِ وتَقْديرِهِ لأُمورِ خَلْقِهِ.