"باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمره بلزوم الجماعة وإخباره أن يد الله على الجماعة".

ثنا دحيم، ثنا عبد الله بن وهب، ثنا أبو هانئ، عن عمرو بن مالك، عن فضالة بن عبيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة ".
جاءَ الإسلامُ بالتَّحذيرِ مِنَ الذُّنوبِ والمَعاصي، وأنَّها مِن أسبابِ دُخولِ النَّارِ، فعَلى العَبدِ أن يَبتَعِدَ عنِ الذُّنوبِ وعن كُلِّ ما يوصِلُ لها، وفي هذا الحَديثِ ذُكِرَت بَعضُ الذُّنوبِ الخَطيرةِ، فيَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ثَلاثةٌ لا تَسألْ عنهم، أي: عن كَيفيَّةِ عُقوبَتِهم؛ فإنَّك لا تَستَطيعُ أن تَعرِفَ ما هم عليه مِن سوءِ الحالِ وقُبحِ المَآلِ؛ فإنَّهم مِنَ الهالكينَ. ثُمَّ بَيَّنَهم فقال: رَجُلٌ فارَق الجَماعةَ وعَصى إمامَه وماتَ عاصيًا، أي: جَماعةَ المُسلِمينَ وإمامَهم؛ فإنَّه لا يَجوزُ الخُروجُ على الإمامِ؛ فالخُروجُ عليه يُؤَدِّي إلى الفِتَنِ والشَّرِّ، وكان أوَّلَ مَن وقَعَ مِنهم ذلك الخَوارِجُ؛ حَيثُ خَرَجوا على أميرِ المُؤمِنينَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه. وعَبدٌ أبَقَ، أي: هَرَبَ، مِن سَيِّدِه فماتَ، أي: ماتَ وهو هارِبٌ مِن سَيِّدِه، وامرَأةٌ غاب عنها زَوجُها، بأن كان غَيرَ مَوجودٍ عِندَها، كَأن يَكونَ مُسافِرًا أو نَحوَه، وقد كَفاها مَؤُونةَ الدُّنيا، أي: ما تَحتاجُه فيما يَقومُ بحاجَتِها ونَفقَتِها، فخانَتْه بَعدَه، أي: بأن لم تَلتَزِمْ أسبابَ العِفَّةِ، بَل سَلَكَت مَسلَكَ الحَرامِ، فأظهَرَت زينَتَها ومَحاسِنَها للأجانِبِ. وجاءَ في رِوايةٍ أُخرى: فتَبَرَّجَت. ثُمَّ ذَكَرَ صِنفًا آخَر مِمَّن لا يُسأَلُ عنهم، فهم مِنَ الهالكينَ أيضًا، فقال: وثَلاثةٌ لا تَسألْ عنهم: رَجُلٌ نازعَ اللَّهَ رِداءَه، أي: تَخلَّق وشارَكَ، فإنَّ رِداءَه سُبحانَه الكِبرُ وإزارَه العِزُّ. وذلك بأن تَكبَّرَ على المَخلوقينَ، فيَكونُ بذلك نازَع اللَّهَ في صِفةٍ مِن صِفاتِه تعالى، وهيَ الكِبرياءُ؛ فاستَحَقَّ بذلك العِقابَ كما قال تعالى في الحَديثِ القُدُسيِّ: الكِبرياءُ رِدائي، والعِزُّ إزاري، فمَن نازَعني فيهما عَذَّبتُه. ورَجُلٌ في شَكٍّ مِن أمرِ اللهِ، أي: في وُجودِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. والقانِطُ مِن رَحمةِ اللهِ، أي: اليائِسُ مِن رَحمةِ اللهِ تعالى، قال تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. وفي الحَديثِ التَّحذيرُ مِن هذه المَعاصي كُلِّها. وفيه إثباتُ صِفةِ الكِبرياءِ والعِزَّةِ للَّهِ تعالى