باب: ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: الشقي من شقي في بطن أمه والطبع والجبل والخير

ثنا محمد بن المثنى، ثنا يحيى بن سعيد القطان، ثنا الأعمش، ثنا زيد بن وهب، ثنا عبد الله بن مسعود، ثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله تعالى إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل عمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخل الجنة "
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الجنين في بطن أمه يمر في تكوينه بأربعة أطوار؛ فيكون في الطور الأول لمدة أربعين يوما حيوانا منويا يجتمع ببويضة الأنثى، فيلقحها، وتحمل المرأة بإذن الله تعالى، ثم يتحول في الطور الثاني لمدة أربعين يوما إلى قطعة دم جامدة تعلق بالرحم، ثم يتحول في الطور الثالث لمدة أربعين يوما إلى قطعة لحم صغيرة بقدر ما يمضغ الإنسان في الفم، ثم في الطور الرابع يبدأ تشكيله وتصويره، ويكون قد أكمل أربعة أشهر، فيرسل الله إليه الملك الموكل بالأرحام؛ فيكتب أعماله التي يفعلها طيلة حياته خيرا أو شرا، ورزقه وأجله، ويكتب خاتمته ومصيره الذي ينتهي إليه إن كان من أهل الشقاوة أو من أهل السعادة، وتقع الأعمال وفق ما كتب؛ فإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع -وهو غاية القرب- فيسبق عليه كتابه، بأن يكون قد كتب عليه سابقا في بطن أمه أنه شقي؛ فيختم له بالشقاوة، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها كما سبق به القدر، وفي الجهة الأخرى قد يعمل بعمل أهل النار، حتى يقترب منها اقترابا شديدا، بألا يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه ما كتب سلفا في كتابه بأنه من أهل الجنة، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها
وهذه الصورة المذكورة في الحديث يفسرها حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه في الصحيحين: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»؛ فما يظهر للناس غير ما يقدره الله له ويختم له به
وفي الحديث: الإيمان بالقدر، سواء تعلق بالأعمال أو بالأرزاق والآجال.
وفيه: عدم الاغترار بصور الأعمال؛ لأن الأعمال بالخواتيم.
وفيه: أن الأعمال من الحسنات والسيئات أمارات لا موجبات، وأن مصير الأمر في العاقبة إلى ما سبق به القضاء وجرى به التقدير.