باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه

وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: " اللهم أمتعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على عدوي وأرني ثأري، اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين ومن الجوع فإنه بئس الضجيع ".
قال العلماء: معنى اجعلهما الوارث مني: أي: أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت، وقيل: المراد: بقاؤهما وقوتهما عند الكبر وضعف الأعضاء وباقي الحواس: أي اجعلهما وارثي قوة باقي الأعضاء والباقيين بعدها، وقيل: المراد بالسمع: وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر: الاعتبار بما يرى.
وروي: " واجعله الوارث مني " فرد الهاء إلى الإمتاع فوحده.
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء هو العبادة، وحثنا عليه، وعلمنا كيف ندعو الله تعالى، ودلنا على صيغ كثيرة للدعاء، تجمع بين خيري الدنيا والآخرة، ومن هذه الصيغ ما جاء في هذا الحديث؛ حيث تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه"، أي: ذهب إلى مكان نومه، "قال في دعائه: اللهم أمتعني بسمعي وبصري"، من: التمتيع والتلذذ بالنعمة، أي: انفعني بهما، وأبقهما صحيحتين نافعتين إلى أن ينتهي العمر، أتلذذ بهاتين الجارحتين المعروفتين، "واجعلهما"، أي: السمع والبصر، "الوارث مني"، أي: أبقهما صحيحين سليمين إلى وقت الموت. وقيل: أراد إبقاء قوتهما، فيرثان كل قوة تضعف عند الكبر. وقيل: أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما يرى، "وانصرني على عدوي"، أي: انصرني على من بغى واعتدى علي، "وأرني منه ثأري"، أي: وخذ منه حقي ومظلمتي، والمراد: انتصف لي كما ينتصف الطالب للدم
"اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين"، أي: ألجأ وألوذ وأعتصم بك من ثقل الديون وهمها، "ومن الجوع"، وهو ألم يحصل عند خلو المعدة من الطعام، ويؤدي أحيانا إلى المرض، وأحيانا أخرى إلى الموت؛ "فإنه بئس الضجيع"، أي: هو أسوأ مضاجع، وهو من يصحب الإنسان في مضجعه، ومحل راحته؛ فإن الجائع يلازم الفراش، فيمنع صاحبه من القيام بأمور دنياه وعباداته، وهو من أقبح الأسباب التي يلزم الإنسان الفراش بها