باب ما يقول إذا أصابه هم أو حزن

باب ما يقول إذا أصابه هم أو حزن

روينا في كتاب ابن السني، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصابه هم أو حزن فليدع بهذه الكلمات، يقول: اللهم أنا عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، في قبضتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن نور صدري، وربيع قلبي، وجلاء حزني، وذهاب همي، فقال رجل من القوم: يا رسول الله إن المغبون لمن غبن في هؤلاء الكلمات، فقال: " أجل فقولوهن وعلموهن، فإنه من قالهن التماس ما فيهن أذهب الله تعالى حزنه، وأطال فرحه " (1) .

الدعاء هو العبادة، وهو يعبر عن امتلاء قلب المؤمن بالثقة في الله سبحانه، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم الأوقات المفضلة في الدعاء، كما علمنا كيفية الدعاء بجوامع الكلم وبصيغ مخصوصة في أوقات معينة
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أصاب أحدا"، أي: حل به ونزل عليه، "قط"، أي: أبدا، "هم ولا حزن، فقال: اللهم"، أي: نادى ربه قائلا: يا الله، "إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك" أي: ابن جاريتك، وهذا كله اعتراف بالعبودية لله، "ناصيتي بيدك"، أي: لا حول ولا قوة إلا بك، وهو مقتبس من قوله تعالى: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها} [هود: 56]، "ماض في"، أي: ثابت ونافذ في حقي، "حكمك"، أي: حكمك الأمري، أو الكوني؛ كإهلاك وإحياء، ومنع وعطاء، "عدل في قضاؤك"، أي: ما قدرته علي؛ لأنك تصرفت في ملكك على وفق حكمتك، "أسألك بكل اسم هو لك"، أي: أدعوك وأطلب منك بكل أسمائك، "سميت به نفسك"، أي: ذاتك، وهو مجمل، وما بعده تفصيل له على سبيل التنويع الخاص، والمعنى: أنك يا ربي وضعت ألفاظا مخصوصة، وسميت بها نفسك، "أو علمته أحدا من خلقك"، أي: من الرسل، أو الملائكة، أو الأولياء، ومن خلاصتهم، "أو أنزلته في كتابك"، أي: في أي كتاب من الكتب المنزلة على الرسل، "أو استأثرت به في علم الغيب عندك"، أي: انفردت بعلمه، وهذا محمول على أنه انفرد به بنفسه، ولا ألهمه أحدا ولا أنزله في كتاب، "أن تجعل القرآن ربيع قلبي" فكما أن الربيع زمان فيه إظهار آثار رحمة الله تعالى، وإحياء الأرض بعد موتها، فكذلك القرآن يظهر منه تباشير لطف الله؛ من الإيمان والمعارف، وتزول به ظلمات الكفر والجهالة والهموم، "ونور صدري"، أي: نور قلبي، فيستضيء بنور كلام الله، فينشرح صدري، "وجلاء حزني، وذهاب همي"، أي: إزالته وانكشاف ما يحزنني ويصيبني بالهم، "إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا"، وهذه نتيجة للدعاء السابق واستجابة من الله لعبده، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "فقيل: يا رسول الله، ألا نتعلمها؟ فقال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها"، أي: يتوجب أن يتعلمها كل من سمعها؛ لعظم ما في هذه الكلمات والدعوات، وكل إنسان محتاج إليها.
وفي الحديث: أن الأسماء الحسنى غير محصورة في عدد معين، بل منها ما لا يعلمه إلا الله.
وفيه: بيان أهمية الدعاء والتوسل إلى الله في إزالة الكربات .