حدثنا هارون بن معروف، قال عبد الله: وسمعته أنا من هارون، قال: حدثنا عبد الله، أخبرني مخرمة، عن أبيه، عن سعيد بن نافع، قال: رآني أبو بشير الأنصاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي صلاة الضحى حين طلعت الشمس، فعاب ذلك علي، ونهاني، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصلوا حتى ترتفع الشمس، فإنها تطلع في قرني الشيطان»
فرَضَ اللَّهُ تعالى الصَّلاةَ وجَعَل لها مَواقيتَ مَعلومةً، فقال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقد بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفصَّل مَواقيتَ كُلِّ صَلاةٍ ومَتى تُؤَدَّى، وقد عَلَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه مَواقيتَ الصَّلاةِ، يَقولُ عَمرُو بنُ عَبَسةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أتَيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَدينةِ، وطَلَبَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يُعَلِّمَه الصَّلاةَ، كما في تَمامِ الرِّوايةِ الأخرى، فعَلَّمَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَواقيتَ الصَّلاةِ، وكان مِمَّا قال له في الرِّوايةِ الأخرى: صَلِّ صَلاةَ الصُّبحِ، ثُمَّ أقصِرْ عنِ الصَّلاةِ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ، إنَّ الصَّلاةَ مَشهودةٌ، أي: صَلاةُ الفَجرِ تَشهَدُها المَلائِكةُ. إلى طُلوعِ الشَّمسِ، أي: وقتُ صَلاةِ الفَجرِ إلى طُلوعِ الشَّمسِ؛ فإنَّها، أي: الشَّمسَ، تَطلُعُ بَينَ قَرنَي شَيطانٍ. القَرنانِ: ناحيَتا الرَّأسِ، أي: أنَّ الشَّيطانَ يُدني رَأسَه إلى الشَّمسِ في هذا الوقتِ ليكونَ السَّاجِدونَ لها مِنَ الكُفَّارِ مِن عابِديها كالسَّاجِدينَ له في الصُّورةِ. وهيَ ساعةُ صَلاةِ الكُفَّارِ، أي: وقتُ طُلوعِ الشَّمسِ هو وقتُ صَلاةِ الكُفَّارِ؛ فدَعِ الصَّلاةَ، أي: فاترُكِ الصَّلاةَ، في وقتِ طُلوعِ الشَّمسِ؛ حتَّى لا تُشابِهَ الكُفَّارَ في صَلاتِهم، حتَّى تَرتَفِعَ قِيدَ رُمحٍ، أي: إلى أن تَرتَفِعَ الشَّمسُ مِقدارَ رُمحٍ -والرُّمحُ: هو عِبارةٌ عن عَصًا في رَأسِها سِنانٌ يُطعَنُ به، واختِصاصُ الرُّمحِ بالذِّكرِ؛ لأنَّ العَرَبَ كانوا غالِبًا يَسكُنونَ البَواديَ ويُسافِرونَ، فإذا أرادوا أن يَعلَموا نِصفَ النَّهارِ رَكَزوا رِماحَهم في الأرضِ، ثُمَّ نَظَروا إلى ظِلِّها- ويَذهَبَ شُعاعُها، أي: ضَوؤها، ثُمَّ الصَّلاةُ مَحضورةٌ مَشهودةٌ، أي: فعِندَ ذلك تُشرَعُ الصَّلاةُ، حتَّى تَعتَدِلَ الشَّمسُ اعتِدالَ الرُّمحِ بنِصفِ النَّهارِ، أي: يَستَمِرُّ ذلك إلى وَقتِ استِواءِ الشَّمسِ في السَّماءِ وَسطَ النَّهارِ؛ فإنَّها، أي: ساعةَ اعتِدالِ الشَّمسِ وَسطَ النَّهارِ، ساعةٌ تُفتَحُ فيها أبوابُ جَهَنَّمَ وتُسجَرُ، أي: هذا الوقتُ تُفتَحُ أبوابُ النَّارِ وتُوقَدُ إيقادًا بَليغًا، فدَعِ الصَّلاةَ، أي: فاترُكِ الصَّلاةَ في هذا الوقتِ، حتَّى يَفيءَ الفَيءُ، أي: حتَّى يَرجِعَ الظِّلُّ بَعدَ ذَهابِه مِن وَجهِ الأرضِ، فهذا الوقتُ هو وَقتُ الظُّهرِ، والفَيءُ مُختَصٌّ بما بَعدَ الزَّوالِ، وأمَّا الظِّلُّ فيَقَعُ على ما قَبلَ الزَّوالِ وبَعدَه، ثُمَّ الصَّلاةُ مَحضورةٌ مَشهودةٌ، أي: تَحضُرُها المَلائِكةُ؛ فهيَ أقرَبُ إلى القَبولِ وحُصولِ الرَّحمةِ، ثُمَّ بَعدَ ذلك تُشرَعُ الصَّلاةُ وتستَمِرُّ حتَّى تَغيبَ الشَّمسُ، أي: إلى وقتِ غُروبِ الشَّمسِ؛ فإنَّها، أي: الشَّمسَ، تَغيبُ بَينَ قَرنَي شَيطانٍ، أي: مِثلَما طَلَعَت بَينَ قَرنَي شَيطانٍ فإنَّها كذلك تَغيبُ بَينَ قَرنَي شَيطانٍ، وهيَ ساعةُ صَلاةِ الكُفَّارِ، أي: وقتُ سُجودِ الكُفَّارِ لها. كما جاءَ مُبَيَّنًا في الرِّوايةِ الأخرى أنَّ الكُفَّارَ يَسجُدونَ للشَّمسِ وقتَ طُلوعِها ووَقتَ غُروبِها
وفي الحَديثِ بَيانُ أوقاتِ الصَّلَواتِ
وفيه النَّهيُ عنِ الصَّلاةِ وَقتَ طُلوعِ الشَّمسِ، وأنَّ النَّهيَ لا يَزولُ بنَفسِ الطُّلوعِ، بَل لا بُدَّ مِنَ الِارتِفاعِ
وفيه النَّهيُ عنِ الصَّلاةِ وقتَ اعتِدالِ الشَّمسِ حتَّى تَزولَ
وفيه النَّهيُ عنِ الصَّلاةِ وقتَ غُروبِ الشَّمسِ حتَّى تَغرُبَ
وفيه فَضلُ الصَّلاةِ وأنَّها مَشهودةٌ
وفيه البُعدُ عن مُشابَهةِ الشَّيطانِ والمُشرِكينَ في أفعالِهم
وفيه إثباتُ النَّارِ وأنَّها مَوجودةٌ الآنَ وأنَّها مَخلوقةٌ