حديث أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم 23
مسند احمد

حدثنا أبو سلمة الخزاعي، قال: أخبرنا بكر بن مضر، حدثنا موسى بن جبير، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أم سلمة، قالت: «أكثر ما علمت أتي به نبي الله صلى الله عليه وسلم من المال لخريطة فيها ثمان مائة درهم»
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مِن أَحسنِ النَّاسِ خُلُقًا وعِشْرَةً، والْخُلُق هو الدِّينُ والطَّبعُ والسَّجيَّةُ، ومِن صُوَرِ ودَلائلِ هذا الخُلقِ الحسَنِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَرسلَه يومًا لحاجَةٍ وأمَرَه أنْ يَقضِيَها له، فحَلَفَ أَنسٌ باللهِ ألَّا يَذهبَ، ولكنَّه قَرَّر في قَلبِه أنْ يَذهبَ لِمَا أَمَرَه به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أي: لأَجْلِ أَمْرِه بهِ؛ ولعلَّ أنسًا حَلَف ألَّا يَذهَبَ لأنَّه كان صَغيرًا لا يُدرِكُ، وهو غيرُ مُكلَّفٍ، أو لعلَّه قال ذلك مُداعَبةً كما يَفعَلُه بعضُ الصِّبيةِ بالكبارِ، ولعلَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَطِنَ لذلك، فخَرَجَ أنسٌ مِن عندِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على قَصْدِ الذَّهابِ لقَضاءِ أمرِ النَّبيِّ حتَّى مرَّ وهوَ في طَريقِه عَلى صِبيانٍ وهُم يَلعبونَ في السُّوقِ؛ فوَقَفَ عندَهم إمَّا للَعِبٍ أو لِلتَّفَرُّجِ، وإِذا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ جاء إلى هذا المكانِ فرَأى أنسًا، فأمسَكَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقفَا أنسٍ -وهوَ مُؤخَّرُ العُنُقِ- فنظَرَ أنسٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوَجَد النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَضحَكُ ولم يَغضَبْ، ثمَّ قال له: «يا أُنَيْسُ» تَصغيرٌ للشَّفقَةِ والمَرحَمَةِ والملاطَفةِ، أَذَهبتَ إلى المكانِ الَّذي أَمرتُك بالذَّهابِ إليه؟ فأَجاب أنسٌ: نَعمْ، أنا أَذهبُ الآنَ يا رَسولَ اللهِ، وهذا بِناءً على أنَّه شَرَعَ في الذَّهابِ وسيُكمِلُه، ولم يُؤنِّبْه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا كلُّه مِن مُقْتضى خُلقِه الكريمِ وحِلمِه العظيمِ
وفي الحديثِ: حُسنُ خُلقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَواضُعُه الجَمُّ
وفيه: فَضلُ أَنسٍ رَضيَ اللهُ عنه